Al Jazirah NewsPaper Friday  26/02/2010 G Issue 13665
الجمعة 12 ربيع الأول 1431   العدد  13665
 
التاريخ الإيراني ومفترق الطرق
ريتشارد ن. هاس

 

خاص (الجزيرة)

إن التاريخ نادراً ما يتكشف بسلاسة أو على نحو متساو. بل إن التاريخ كثيراً ما تتخلله تطورات وأحداث كبرى مثل الحروب، والاغتيالات، والطفرات تخلف آثاراً تظل محسوسة لسنوات.

وبعد واحد وثلاثين عاماً من اندلاع الثورة التي أطاحت بالشاه وجلبت الحكم الإسلامي إلى إيران، أصبحنا الآن عند واحد من تلك المنعطفات. لا شك أننا لا نعرف شيئاً عن درجة أو اتجاه أو سرعة التغيير. ولكن ما نعرفه على وجه اليقين هو أن ما يحدث في إيران سوف يؤثر جوهرياً في منطقة الشرق الأوسط برمتها وما هو أبعد منها، وليس فقط على إيران وحدها.

ومن بين التوقعات المحتملة لمستقبل إيران أن يكون ذلك المستقبل مجرد امتداد لما هو قائم بالفعل، أو بعبارة أكثر دقة إيران التي يحكمها رجال الدين المحافظون والحرس الثوري العدواني، الذي سوف تكون له اليد العليا على نحو متزايد. وسوف يستمر النظام الإيراني في قمع معارضيه المحليين بوحشية، والتدخل في شؤون العراق وأفغانستان، وتسليح وتمويل حزب الله وحماس، وفي المقام الأول من الأهمية، تنمية القدرة على تصنيع الأسلحة النووية والوسائل اللازمة لإيصالها إلى أهدافها.

إن مثل هذا المستقبل من شأنه أن يقدم للعالم خياراً عصيباً: فإما الإذعان لفكرة امتلاك إيران للقنبلة النووية أو القدرة على تجميعها بسرعة، أو شن هجوم عسكري وقائي لتدمير القدر الأعظم من البرنامج النووي الإيراني.

ويكاد يكون في حكم المؤكد أن ظهور إيران باعتبارها دولة مالكة للأسلحة النووية من شأنه أن يغري العديد من البلدان المسلمة السُنّية بالشروع في تنفيذ برامج سريعة لحيازة أو تصنيع الأسلحة النووية. ولا شك أن الشرق الأوسط الذي يشتمل على عِدة دول تمتلك الأسلحة النووية يشكل وصفة أكيدة للكارثة.

ويُعَد الهجوم المسلح من جانب الولايات المتحدة، أو إسرائيل، أو الدولتين معاً، على المنشآت النووية الإيرانية خياراً آخر. ولكن من بين سلبيات هذا الاحتمال أن إيران سوف تنتقم على الأرجح من خلال ضرب مصالح الولايات المتحدة والعاملين الأمريكيين في العراق وأفغانستان، وباستخدام حماس وحزب الله ضد إسرائيل وغيرها من بلدان المنطقة. وقد تلجأ إيران أيضاً إلى تعطيل مرور النفط، الأمر الذي لابد أن يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعاره وتوجيه ضربة أخرى إلى التعافي الاقتصادي الأمريكي والعالمي.

فضلاً عن ذلك، وعلى الرغم من أن الضربة الوقائية قد تؤدي إلى تأخر الجهود النووية الإيرانية، فإنها لن تمنع النظام من إعادة بناء برنامجه، بل وقد تؤدي إلى تفاقم المشكلات التي تواجهها المعارضة المحلية للنظام. ولكن على الرغم من هذه العيوب المحتملة، فإن الهجوم المسلح على المنشآت النووية الإيرانية لابد وأن يظل يشكل احتمالاً واضحاً، وذلك نظراً للتكاليف الاستراتيجية الباهظة المترتبة على حيازة إيران السلاح النووي.

ولهذا السبب فإن الأمر يتطلب اتخاذ تدابير إضافية لتحسين احتمالات التغيير السياسي القادر على جلب الحكومة الإيرانية المستعدة للتعايش السلمي مع شعبها وجيرانها. ومثل هذه التدابير تشتمل على مساعدة حركة الإصلاح حتى تتمكن من الوصول إلى الإنترنت، وفرض العقوبات الإضافية التي تستهدف الحرس الثوري، والدعم العلني للحقوق السياسية والقانونية للشعب الإيراني.

من المرجح أن يقاوم بعض الأفراد والحكومات هذه الاقتراحات، من منطلق اقتناعهم بأن مثل هذا التدخل يشتمل على انتهاك غير مبرر لسيادة إيران. ولكن في عالم اليوم الذي تحكمه العولمة، فإن ما يحدث في إيران ليس مجرد شأن إيراني داخلي. إن الحكومة الإيرانية لديها الحق في الحصول على الطاقة النووية من أجل توليد الكهرباء، ولكنها لا تحتاج إلى سلاح نووي. وهي أيضاً ملزمة تجاه جيرانها والمجتمع الدولي (بالامتناع عن دعم الإرهاب على سبيل المثال) ومواطنيها. ولا ينبغي للعالم أن يقف موقف المتفرج في حين يفشل النظام الإيراني في الوفاء بالتزاماته.

رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب «حرب الضرورة، وحرب الاختيار: مذكرات من حربين عراقيتين»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد