إن كان كتاب اليساري الأمريكي المعروف (نعوم تشومسكي) (500 عام والغزو مستمر).. هو أبرز المؤلفات الأمريكية التي تعكس الطابع الإمبريالي الاستعماري للولايات المتحدة، فإن فيلم (آفتار) قد يكون من أبرز الأعمال السينمائية التي تبرز هذه الحقيقة وتتصدى لها بمعالجة وإن كانت طافحة بالمثالية، إلا أنها أيضاً مزدحمة بالفعل الفني المدهش والأخّاذ.
فيلم (آفتار) وهو الفيلم الذي حقق وما زال يحقق إيرادات خيالية على مستوى العالم، حتى بات يمثل ظاهرة ومنعطفاً في الصناعة السينمائية، وبعد مشاهدته نستطيع أن نصل إلى حقيقة مفادها بأن الفيلم يمثل تحدياً لمألوفنا ووعينا وطريقة استقبالنا التقليدية للفنون البصرية.
فهو فيلم ثلاثي الأبعاد 3D.. ولا بد أن نشاهده عبر نظارات خاصة بهذا النوع من العروض.. وبالتالي نستطيع أن نستقبل الصنعة الحرفية التقنية المدهشة التي باتت تقدمها صناعة السينما العالمية عندما تشعر بأنك جزء من المشهد وفي قلب الحدث تحيط بك الأصوات والشخوص وأشجار الغابة العجيبة تحف بك، بشكل يجعلنا نستعيد أرض الخيال الطفولية حيث السريالية والجبال المعلقة والسابحة بين الأرض والسماء كما في لوحات السريالي الشهير دالي.
الفيلم عموماً من بطولة مخرجه! المخرج (جيمس كاميرون).. حتى اللافتات التسويقية تبرز اسم المخرج بشكل لافت كونه مخرج (تيتانك) الشهير، وأكون على الغالب حذرة من الأفلام ذات الصخب الإعلامي وضجيج الحملات الترويجية المرتفع، ولا سيما أن دعايات الفيلم تظهر سفناً ومخلوقات فضائية وصراعاً وشظايا، وما هنالك من مشاهد هوليود التقليدية في هذا المجال، ولكن حماس أبنائي للفيلم قادني في النهاية إلى التسمُّر في مقعد مجاور لهم داخل صالة السينما، وبعد ربع ساعة من بداية الفيلم لا نستطيع إلا أن نقر بأن الفيلم يستحق المتابعة والاهتمام.
المشاهد الخلاّبة داخل الفيلم المصحوبة بصنعة تقنية متطورة ومقنعة، لم تشغل المخرج عن تبني طروحات وأبعاد إنسانية ومثالية, وحمولة فكرية ترفض التسلط والبطش من خلال حبكة تعكس صراعاً بين سكان كوكب خرافي، يلتفون حول قيمهم ومُثلهم وشجرتهم الخالدة، وغزاة جنود تشغلهم قوانين القوة والبطش وروح الإمبريالية الجشعة الساعية إلى الاستحواذ على ثروات الآخرين.
وكما كانت حكايتنا الخرافية من ألف ليلة وليلة تستدعي المخلوقات الخرافية والجن والسعالي للمساهمة في حسم الأمور لصالح الخير ضد الشر، فإن الفيلم استثمر أرض المخيلة ليصنع لنا هذه الثنائية القائمة على الروح الأمومية الكبرى في الطبيعة.. حيث الانسجام مع الطبيعة والتناغم والتكامل في توازن دقيق بين المخلوقات، وبين القيم العسكرية الساعية إلى الاقتحام والتصفية وتجريف البيئة والمُثل والبشر وفرض الوصايا والقوة على شعوب الكون.
ومن داخل معسكر الغزاة تنطلق صيحات الرفض والتمرد من (محاربة الإرهاب بالإرهاب).. ومقاومة قوانين العسكر الشرسة عبر تكوين مجموعات مقاومة بالتعاون مع السكان الأصليين تسعى إلى مقاومة بطش الغزاة، وتسلطهم واستبدالها بروح التعايش والانسجام.
الفيلم ينبه بهجة الطفولة وفضولها في أعماقنا، ويفهرس كثيراً من الأسئلة الملتبسة حول تواجد الأجنبي في منطقتنا، ولكن مع وافر الأسف أننا لانستطيع رؤيته.. إلا إذا غادرنا الوطن وشددنا الرحال لمسافات طويلة.