بالأمس، أيام احتراب القبائل (البغيض) والغزوات الصاعقة الماحقة والسلب والنهب، كانت القبيلة تكرم فرسانها المميزين بكثرة ما قتلوا من رجال القبيلة العدو، وبكثرة ما غنموا من أسلاب القوم، وبكثرة ما تعددت غاراتهم على الخصم، وبكثرة ما تخضبت أسيافهم من دماء القبائل الأخرى، وكان تكريم هؤلاء الفرسان يتم بإجلاسهم في صدارة المجلس وسكب الفنجان الأول من القهوة لهم قبل الآخرين و(تقليطهم) على الموائد مع شيوخ القبيلة دون سواهم من الرجال، والاحتفاء بهم شعراً وزغاريد وأحاديث تسير بها الركبان. أما الآن، وفي زمن الأمن والأمان والعلم والإيمان والمشاركة في بناء الأوطان، فقد تغير ذلك الفارس شكلاً ومضموناً فهو من حيث الشكل قد طوح السيف جانباً وامتشق القلم وخلع الدرع وحمل الكتاب وامتطى الطائرة بدلاً من الفرس، وغزا مدائن العلم وخاض معاركه الجديدة في الجامعات وأصبحت غنائمه أرقى الشهادات، وبدلاً من أن يقدم هذه الغنائم الثمينة للقبيلة أصبح اليوم يقدمها للوطن؛ لأنه أصبح فرداً للوطن لا فرداً للقبيلة وأصبح الاحتفاء به مفخرة لأهله وعائلته وعشيرته وقبيلته ووطنه على حد سواء، ولم لا؟ ألم يغدو فارساً للوطن لا فارساً للقبيلة وحدها؟ وإن كان يحق لقبيلته أن تحتفي به بشكل خاص ومن هنا، ففي العام الماضي قام مجموعة من الأفراد من قبيلة السبعه إحدى قبائل عنزة بتكريم المتفوقين من أبناء القبيلة - دراسياً - من جيوبهم الخاصة، وقد كان من ضمن المكرمين بروفيسوران أحدهما في علوم اللغة الفرنسية والترجمة، وقد قلده رئيس وزراء فرنسا وسام السعفة الأكاديمية بدرجة فارس، وهو أرفع وسام في التدريس الجامعي يعود إلى عصر الأكاديمية الملكية في عهد نابليون بونابرت. أما البروفيسور الثاني، فقد حصل على أرفع الشهادات العلمية في الطب البشري من إحدى الجامعات الأمريكية، كما كرمت القبيلة عدة دكاترة في تخصصات عدة ومجموعة من حملة الماجستير والليسانس والثانوية العامة بتقديرات عليا، وكذلك تم تكريم (28) شاباً من حفظة القرآن الكريم ومخترع واحد لجهاز الاستمطار الصناعي عبر الذبذبات الصاعدة، وقد أعادت هذه القبيلة الكرة مرة أخرى هذا العام وكرمت بروفيسوراً في (الفيزياء الطبية) حصل عليها من إحدى أشهر الجامعات الأمريكية وعدداً من حملة الماجستير والبكالوريوس والثانوية العامة وحفظة القرآن الكريم، وبالطبع وبعد هذه التجربة (القبلية - العلمية) المميزة لتلك القبيلة - وإن سبقتها طبعاً - بعض الأسر المتحضرة في تكريم أبنائها - إلا أن المفرح حقاً أن بعض قبائلنا العريقة كقبيلة مزينة إحدى قبائل حرب ممثلة بعشيرة (السرابتة) العزيزة قد اتخذت نفس السمت بتكريم فرسانها (الجدد) المتفوقين علمياً والذين يعتبرون مفخرة للوطن ولقبيلتهم أيضاً مما يعتبر (سُنَّة) حميدة نأمل أن تقتدي بها سائر قبائلنا العزيزة في مملكتنا الغالية، وتقديم المزيد من الفرسان (الجدد) الذين يخدمون الوطن بالعلم والمعرفة والتفوق والإبداع والعطاء، ونحن إذ نقول -الفرسان الجدد- فلأننا نريد أن نميزهم (زمناً وعطاء) عن أسلافهم الفرسان الأوائل الذين كانوا مفخرة لقبائلهم قبل الوحدة المباركة وأثناءها أي من ساهموا بها لأن فرسان اليوم هم حملة الشهادات لا حملة الرماح وإن كان هؤلاء أحفاد أولئك!!