تعني السياسة في مجملها مجموعة المبادئ التي تضعها الدول لنفسها، وتقيم على أساسها علاقاتها مع الدول الأخرى، وتحدِّد بها مواقفها من القضايا الإقليمية والدولية؛
ولهذا تكون سياسات الدول خاصة الخارجية قابلة للتغيير وفقاً لمصالحها، وتقوم على (التكتيك) أكثر مما تقوم على (الاستراتيجية)، وذلك على عكس السياسة الأمنية التي تقوم أساساً على الاستراتيجية التي لا تتغير غالباً بتغير سياسة الدول واتجاهاتها؛ فأمن الدولة وأمن مواطنيها وسلامة أراضيها من الثوابت الوطنية الداخلية التي لا يمكن لأي نظام سياسي وطني المساس بها أو تغييرها. وإذا كانت السياسة مبادئ، والأمن ثوابت فإن الدبلوماسية سلوك، والدبلوماسية الأمنية هي نوع السلوك السياسي في التعامل مع القضايا الأمنية وأسلوب إدارتها.
وقد برز الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز أحد أبناء الجيل الأول من أحفاد الملك عبدالعزيز بصفته قيادياً من الطراز الأول في الإدارة الدبلوماسية للقضايا الأمنية، ويستحق أن يُعطى الريادة في الدبلوماسية الأمنية بين أبناء جيله، وهذا ليس بغريب عليه؛ فجده الملك عبدالعزيز مؤسس هذا الكيان يُعدُّ تاريخياً رائد الدبلوماسية السياسية في تاريخ العرب الحديث، ووالده نايف بن عبدالعزيز التلميذ النجيب لمدرسة الملك عبدالعزيز ومنهجه في التعامل الأمني الإنساني المنبثق من شريعة الإسلام، التي هي الدستور الرسمي لهذا الوطن.
بهذه الإنسانية المنبثقة من سماحة الإسلام بدأ الأمير محمد بن نايف عمله مساعداً لسمو وزير الداخلية للشؤون الأمنية؛ فكان أول ما اصطدم به من مهمات كبيرة تعامله مع ملفات العمليات الإرهابية التي نفذها بعض المغرَّر بهم من أبناء هذا الوطن. انطلق محمد بن نايف في تعامله مع أصحاب هذه القضايا من مبادئ أساسية في سياسة هذه الدولة، وهي سياسة الرفق والحكمة والتؤدة في التعامل، وإتاحة الفرص لهؤلاء بالعودة إلى الحق، وعدم إقفال باب الحوار معهم. وفلسفة محمد بن نايف في ذلك تتمثل في يقينه بأن هؤلاء من مواطني هذه البلاد، وأنهم في عدوانهم على وطنهم ينطلقون من عقيدة فاسدة، وفَهْم خاطئ للدين؛ فيظنون بما يفعلون من فساد في الأرض، وما يرتكبون من جرائم في حق مواطنيهم، أنهم يُحسنون صُنعاً.
وانطلاقاً من هذا المبدأ دعم محمد بن نايف بكل ما أُوتي من صبر وحلم فكرة (المناصحة) و(فتح باب التوبة)، وعدم التوقُّف عن الحوار معهم؛ إيماناً بقوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَه عَدَاوَة كَأَنَّه وَلِي حَمِيمٌ). وقد أثمرت هذه السياسة في عودة بعض هؤلاء من الذين كانوا يظنون أنهم يُحسنون صنعا إلى الحق، وإعلان التوبة. أما الذين أصروا على السير في طريق الضلال والغواية فلم ييأس منهم، واستمر يفتح لهم الباب، ويتيح لهم فرص الحوار، ويُبدي الاستعداد للاستماع إليهم في أي مكان وفي كل وقت، ويمضي في ذلك بقلب مؤمنٍ ثابت شجاع مردداً على أسماع الذين يخافون على سلامته قول ربه: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّه لَنَا). وقد أثبتت محاولة اغتياله الآثمة عظيم إيمانه بقضاء ربه، واستعانته به، وتوكله عليه؛ فلم يُصبه أذى رغم أنه كان قاب قوسين من الموت أو أدنى.
لم يتراجع محمد بن نايف بعد محاولة الاغتيال عن ثوابت سياسته الأمنية في التعامل مع ملف الإرهاب، ولم يتوقف عن الاتصال بذوي الإرهابيين وتفقُّد أحوال أسرهم وأهاليهم؛ بل ازداد اهتماماً بهم وحنوّا عليهم، وضرب المثل الأعلى في نجاح الإنسانية الأمنية السعودية بموقفه الرائع من أسرة الإرهابي المُضلل الذي حاول اغتياله؛ فكان طوال تعامله مع هذا الملف أباً للذين هم أصغر منه، وأخاً لمن هم في سنه، وابناً للذين هم أكبر منه سناً.
وظل باب محمد بن نايف مفتوحاً مثله مثل أبواب أعمدة القيادة السعودية الرشيدة، تستقبل المواطنين، وتستمع إلى مطالبهم وشكاواهم برحابة صدر، وتحل مشكلاتهم بحكمة، وتحكم بينهم بعدلٍ ورحمة، ولا ترد صاحب قضية كائناً مَنْ كان منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز الذي رسم القدوة وبدأ الخطوة إلى هذا العهد المبارك الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك الإنسانية، وولي عهده الأمين أمير الخير سلطان بن عبدالعزيز حفظهما الله .
من هذا التراث السعودي الضخم في العدل والرحمة والحكمة والصبر والإنسانية تنبثق الدبلوماسية الأمنية السعودية التي يسير على هداها الأمير محمد بن نايف، ويحولها إلى واقع ملموس بالفعل قبل القول. وإذا كانت الدبلوماسية في نظر البعض قناعا من المجاملة والاصطناع والتكلُّف فإن الدبلوماسية الأمنية السعودية التي يمثلها محمد بن نايف هي ترجمة حقيقية لسلوك القائد الأمني الواعي بالمعنى الكبير الذي قصده رب العالمين عندما خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم قائلاً: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة لِّلْعَالَمِينَ).
بهذه المبادئ الإنسانية، التي تؤمن بها القيادة السياسية السعودية، ومن خلال التعامل بها سلوكاً، تتفرد الدبلوماسية الأمنية السعودية، وأصبح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز واحداً من أهم الشخصيات في القيادة الأمنية سعودياً وخليجياً وعربياً، يُضرب به المثل في السلوك الإنساني الحضاري الذي أصبح معادلاً حقيقياً للسياسة الأمنية السعودية، وأبرز إلى الوجود مصطلح (الدبلوماسية الأمنية السعودية).
hemaid1425@yahoo.com