سعدت بالحضور والاستماع إلى محاضرة الأستاذ خالد المالك عن غازي القصيبي الإداري والمثقف الاستثنائي والشاعر الإشكالي، ورأيت كيف تفاعل.....
|
....الكثير من الحضور وتتابع المتحدثون والمعقبون، ولولا ضيق الوقت لسمعنا الكثير وعرفنا الأكثر عن جوانب من حياة غازي. وقد رعى هذه التظاهرة الثقافية المتميزة معالي الوزير المميز الأديب والشاعر عبدالعزيز خوجة الذي افتتح اللقاء بكلمة أدبية وفية ضافية آمل أن تسعى مجلة الجزيرة الثقافية إلى ضمها مع بقية الكلمات والقصائد. وكم تمنيت أن أتداخل أو أعقب ولكن قدرت لهذا الجمهور الغفير حضوره المبكر ورأيت أن أجعل مشاركتي مكتوبة لآخذ راحتي في الحديث، فالتأمل خير من التعجل.
|
كان الدكتور غازي -كما تعرفون- صاحب نظرة عميقة ورؤية فاحصة لا ينخدع بكل من كتب أو هبَّ ودبَّ، كان شجاعاً في إظهار رأيه وإعلانه، وهذه خصلة لا يقدر عليها إلا الرجال الذين لا ينساقون وراء الدهماء والغوغاء، أسمعه يصرح بهذا عن اسمين شغلت الصحافة الناس وأضلتهم سبيل الرشاد (وما دمت قد تحدثت عن الشعراء الذين أحببتهم فقد يكون من المناسب التطرق إلى شعراء آخرين لا يقلون عنهم شهرة فشلت في الإعجاب بهم، لقد حاولت جاهداً تذوق شعر عبدالوهاب البياتي ولكني كنت في واد وكان شعره في واد آخر، وما زلت حتى اليوم أجد عسراً بالغاً في التجاوب معه، وأستغرب الضجة الكبيرة التي يثيرها والاهتمام الكبير الذي يلقاه من النقاد، كما حاولت أن أتذوق أدونيس ولكنني أصبت بفشل ذريع دفعني إلى الكف عن المحاولة).
|
وبالمقابل كان ينزل أصحاب الكفاية الأدبية والبذل والعطاء منازلهم، أتحدث اليوم عن الأستاذ الكبير بحق الشيخ عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله- ذلك العامل بصدق وصمت، الباذل بجد وسمت، كان القصيبي يتصل به ويتواصل معه، يعجب باستمراره في العطاء واستثماره للوقت بلا ضوضاء ولا ادعاء، وقد عهد إليه بإصدار كتابين أحدهما (المزيد من رأيي المتواضع) صدر عن دار الرفاعي للنشر، والآخر (قصائد أعجبتني) صدر عن دار تثقيف للنشر والتأليف. وقد كتب الرفاعي كلمة غلاف (قصائد أعجبتني) قال فيها:
|
«قد عرفناك باختيارك مذ كان
|
دليلاً على الحصيف اختياره»
|
هذا هو لسان حال (دار ثقيف للنشر والتأليف) حين عمدت إلى نشر هذا الكتاب للدكتور غازي القصيبي، كنموذج راقٍ من الاختيار الجيد، وكمثل من التحليل الأدبي الجميل.
|
والدار، تعتقد أن هذا الكتاب جاء في أوانه، كما يجيء الربيع عندما تتطلع القلوب إلى خضرته ونضرته، وبهيج زهره..! جاء ليكون نبراساً للشباب، يأخذ بأيديهم إلى روائع من الشعر، هي في الواقع من شوامخ قممه، يختارها لهم شاعر مبدع. ولعل أحسن ما صنع أن يشير في براعة إلى لوحات رائعة من لوائح التراث، يقول -ضمن ما يقول-: هذه القصائد أعجبتني!
|
أليس جميلاً أن يدخل هذا الشاعر الفنان، خميلة يانعة بالزهر، والثمر، ثم يظل يقطف زهرة من هنا، ووردة من هناك، وثمرة من هنالك؟ ثم يقدم إليك -أيها القارئ- كل ذلك على طبق جميل أنيق!
|
لقد كان الزهر والثمر من الدكتور القصيبي، وكان منا هذا الطبق.
|
وفي مقابلة للأستاذ الرفاعي مع القصيبي في مكتبه بوزارة الصحة شهدتها. عبر له عن إعجابه بمنهج الرفاعي الأدبي ومزاجه الثقافي المتزن، وقال كم أتمنى يا شيخ عبدالعزيز أن أتخفف من ثقل المسؤوليات لأستمتع بحضور تلك الجلسات بدارك. ومشى معه مودعاً وداعياً له.
|
وقال أثناء المقابلة إنه يتلقى خطابات من بعض الأدباء الكبار تحمل بعض التصويبات والتنبيهات اللغوية وأنه أجاب شاعراً شاكراً له نصيحته. وقال من قصيدة أرسلها مداعباً ومعتذراً بكثرة شكاوى المرضى والمراجعين لوزارة الصحة:
|
وأحمل في دمي هم البرايا |
وتحمل هم جر أو مضاف |
وأقرأ ألف معروض وشكوى |
وتقرأ أنت أشعار الرصافي |
والقصيبي صاحب قدرة عجيبة على التحدث وضرب الأمثال والشواهد، كما أنه محاج لسن حاضر البديهة سريع الجواب.
|
أعود إلى محاضرة الصديق خالد المالك فقد لفت نظري فيها أشياء كثيرة لكن أكتفي الآن بواحدة يوم كان القصيبي سفيراً في بريطانيا وقف بحزم وشجاعة في وجه بعض أصحاب الصحف العربية التي تصدر هناك وتدعي أنها تستطيع إزعاج أو إحراج المملكة العربية السعودية، وقد تعامل مع هذا النوع المبتذل من الابتزاز كما يتعامل الأقوياء وسد عليهم السبل وضيق المنافذ.
|
فليت وزارة الخارجية تضع تنظيماً يلتزم به السفراء يلجم كل السفهاء، وليت صحيفة الجزيرة برئاسة الزميل خالد تنهض بعبء التوعية والتحذير من أمثال هؤلاء الأدعياء لتكون المطالبة بالوقوف في وجههم مطلباً وطنياً لا مجال فيه لمجاملة أو مساومة، فكفى الانحناء للأشرار:
|
«الشر أن لا تلقه بالخير ضقت به ذرعاً
|
|
أعود إلى جو الندوة والمنتدى والمحاضرة والمحاضر، فأشكر نادي الرياض الأدبي على تنظيمها والدعوة إليها، وأثني على كل من حضر وشارك. رحم الله الرفاعي ورد إلينا القصيبي وحي الله أبناء وطني وبناته الأوفياء الذين غصت بهم مدرجات القاعات.
|
وقد كان من حسن التوفيق أن وزع على الجمهور والحضور الإصدار الرائع الموسوم (الاستثناء غازي شهادات ودراسات). وأحب أن أشد على أيدي الزملاء الذين كانوا وراء هذا الجهد الكبير والمجهود المشهود وهما بعد الزميل خالد المالك الدكتور إبراهيم التركي مدير تحرير مجلة الجزيرة الثقافية والزميل اللوذعي عبدالكريم العفنان مدير مكتب الجزيرة بدمشق وصاحب الاتصالات الواسعة.
|
|