بارك أوباما رجل أمريكا الأول سياسي بقلب (معلم) يتكئ على إرث تعليمي وحس تربوي معزز بالأكاديمية والإنسانية رغم أنه يعطي الأوامر لقواته في العراق وأفغانستان بالقتل والمطاردة وهدم البيوت على رؤوس الأطفال والشيوخ لمجرد الاشتباه عبر طائرات بدون طيار مما يتعارض مع الحس التربوي والإنساني... ويوم أمس الأول تحدث أوباما لمجموعة من الطلاب الذين كانوا يستمعون لنصائح رئيس أعظم دولة في العالم حيث اعترف أمامهم بأنه لا (يحل) واجبات مادة الرياضيات ويهمل في استذكار ومراجعة واجباته الوظيفية حين كان على مقاعد التعليم العام.
هذا الاعتراف من رئيس أقوى دولة تحكم العالم والتي تصنف أحدث دولة وأعظم دولة في التكنولوجيا والأسلحة والإدارة والطب والتحضر, هذا الاعتراف لقي ردة فعل عالية وعنيفة لأن أوباما الذي وصفته الدراسات التحليلية أنه الذكي والنبيه ولديه مهارات متعددة قال عنه كتاب ليزا ماندي بعنوان: ميشال أوباما سيرة حياتها, 1430هـ2009م, ص: 115: إن باراك أوباما عام 1989م استدعته مؤسسة سيدلي أوستن ليعمل مساعداً وهو للتو أنهى عامه الأول في كلية الحقوق في هارفارد. وهذه إحدى المعطيات التي تشير إلى تميز وذكاء ومهارة أوباما, فاعترافه الذي قد يفزع الكثيرين من أنه طالب مهمل وغير منضبط في تأديته واجباته الوظيفية (حل التمارين) كيف تمكن هذا الطالب من أن يدخل في جامعة هارفارد أشهر الجامعات الأمريكية ويحصل على درجة علمية من كلية الحقوق ورخصة المحاماة ويتدرج في العمل السياسي ليصبح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ويكتب اسمه في سجل المحاماة والسياسة منذ أن تخرج 1991م.
هذا الاعتراف يجعلنا نعيد النظر في الثقافة الأكاديمية والاجتماعية التي فرضتها الجامعات السعودية حيث أفرز قبول الطلاب في الجامعة توجها خاطئا بأن الجامعات للأذكياء جدا وللمتفوقين وللموهوبين وأصحاب المعدلات والنسب العالية من 95% وما فوق أما ما دون ذلك فهؤلاء إما أغبياء أو من الخاملين والكسالى أو ممن لديهم مشكلات في الدماغ والاستيعاب, بهذه الصورة تصنف الجامعات أبنائنا وتجعلنا نشك في طاقاتهم وقدراتهم الذهنية. فربطت الجامعات النجاح في الحياة - ربطتها - بالنسبة التي يحصل عليها الطالب (الامتياز الأعلى) والدرجة العالية في اختبار القدرات التحصيلية... وأصبح الابن والطالب في المرحلة الثانوية (رقما) ونسبة مئوية ومعدلا تراكميا وأن نجاحه في الحياة والحكم على شخصيته من خلال ما يحمل من رقم ومعدل تراكمي وهذا تدمير مباشر للطاقات وتصنيف جائر لطلاب قد تكون معدلاتهم في المرحلة الثانوية متوسطة في هامش (جيد جدا) وبالمقابل قد يكون هذا الطالب من البارزين في مجال الاقتصاد والإدارة والحاسب والطب والاجتماع والجيولوجيا لو أعطي الفرصة.
أوباما (معلم) أكاديمي في ثوب سياسي واعترافاته هذه يدركها جيداً العديد من الباحثين الأكاديميين بأن النجاح في الحياة والتفوق على الآخرين في كل مجالات العلوم لا تحددها درجات ونسب الثانوية العامة أو الامتياز في المرحلة الجامعية ولا حتى التحصيل في الدراسات العليا. ولحماية هذا الجيل وحتى لا يحبط أو يجهض علينا التنبه والالتفاتة إلى ثقافة النسب العالية وإعادة النظر بها والعمل على صياغتها لفتح المجال أمام طاقات طلاب التقديرات جيد جداً.