Al Jazirah NewsPaper Wednesday  24/02/2010 G Issue 13663
الاربعاء 10 ربيع الأول 1431   العدد  13663
 

في ليلة استثنائية.. بمحاضرها الاستثنائي.. ورمزها المُستثنى وكتابها الاستثناء:
رموز الثقافة والأدب والإعلام والإدارة يصادقون على وصف القصيبي بـ (الاستثناء) طبقاً لـ(الجزيرة)

 

(الجزيرة الثقافية) - سعيد الدحية الزهراني

شهدت الأمسية التي نظَّمها نادي الرياض الأدبي مساء الأحد الفائت.. لرئيس التحرير الأستاذ / خالد المالك.. حول الاستثناء.. غازي القصيبي..

إلقاء عدد من الكلمات لعدد من الأسماء الإعلامية والثقافية والأدبية.. حيث تأتي كلمة رئيس نادي الرياض الأدبي الدكتور عبد الله الوشمي افتتاحاً أدبياً عالياً جسَّد قيمة الأمسية بقيمية موضوعها وقامة محاضرها وحضورها.. محتفياً بجهود الوزارة في تكريم الفاعلين والبارزين.. وأن النادي الأدبي بالرياض يأخذ هذا المنهج ديدناً وطريقاً رئيساً لأنشطته.

قائلاً: والنادي الأدبي بالرياض يقيم نشاطه هذه الليلة بالاشتراك المتميز مع صحيفة الجزيرة من خلال تميزها الدائم وبمحاضرة رئيسة لسعادة رئيس تحرير الصحيفة الأستاذ خالد المالك بثقافته وتجربته الواسعة وصلته البارزة مع معالي د. غازي القصيبي.. وهو ما تمَّ تتويجه بكتاب (الاستثناء) الاستثنائي.. بالإضافة إلى كتاب: (قصائد أعجبتنا) من إصدارات المجلة العربية.

ثم استأذن رئيس النادي جمهور الحضور بأن يوجه خطابه للحاضر الغائب.. والغائب الحاضر معالي د. غازي القصيبي قائلاً: (مساء الخير معالي د. غازي.. ومساؤك سعيد وأوقاتك طيبة، عُد لمحبيك فهم بانتظارك).

ثم أشار رئيس النادي د. الوشمي إلى أن هذه الليلة تكبر بحضورها الجماهيري الكبير من أصحاب المعالي والسعادة والمثقفين والإعلاميين حيث نجح النادي في ليلته مبكراً قبل أن تبدأ.

ثم أشاد د. الوشمي بحضور معالي وزير الثقافة والإعلام د. عبد العزيز خوجة.. وهو الذي يتقاسم مع معالي د. غازي بعدد من المشتركات الإدارية والأدبية.

وختم رئيس النادي كلمته بالشكر الكبير لصحيفة الجزيرة التي تتجدد كل حين بقيادة رئيس تحريرها.. كما شكر الوشمي مدير اللقاء أ/ حمد القاضي.

بعدها تقدم معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة ليلقي كلمته التي أشاد فيها بكتاب (الجزيرة)؛ (الاستثناء غازي القصيبي)، وبجهود أدبي الرياض.. وفيما يلي نص الكلمة:

ما أسعدني الليلة أن أكون بصحبة هذه الصفوة الممتازة من أهل الأدب والثقافة، لنصوغ معا معنى من معاني الوفاء، ولنحتفي جميعا برمز من رموز الأدب والفكر في بلادنا؛ أخي وزميلي الشاعر والروائي معالي الدكتور غازي القصيبي، وما أعظم أن يتجسد هذا الاحتفاء في هذا الأسلوب الثقافي الراقي الذي أخذ به نادي الرياض الأدبي وصحيفة الجزيرة، حينما عملا معا لترسيخ قيمة ثقافية عليا، قيمة أن نحتفل برمز أدبي ووطني اسمه غازي القصيبي، وأن نجتمع في هذا المحفل الثقافي لمناسبة جليلة، تخطو فيها صحيفة (الجزيرة) خطوة مميزة حين أصدرت هذا السفر الرائع (الاستثناء غازي القصيبي.. شهادات ودراسات), فيما يزيد على ستمائة صفحة، احتشد فيها الصفوة المختارة من الأدباء والنقاد والمفكرين في عالمنا العربي الكبير حول هذا الرمز الأدبي المبدع، وكانت هذه الشهادات والدراسات التي شهدتها المجلة الثقافية لهذه الصحيفة، ثم اجتمعت في هذا السفر الممتاز، حدثاً ثقافياً فريداً؛ لأنها تجاوزت المجاملة والمصانعة، عندما وقفت هذه الصفوة من الأدباء والنقاد والمفكرين على مواطن الإبداع والتجلي في تجربة غازي القصيبي: شاعرا، وروائيا، وكاتبا، وإداريا، وأحسب أن خير تكريم للمبدعين أن ندرس إبداعهم كما هو حال هذا السفر الجليل.

الإخوة والأخوات..

اسمحوا لي أن أقدم هذه الشهادة الموجزة في شاعرنا الكبير غازي القصيبي:

إنني أعتبر مسيرة شاعرنا الكبير غازي القصيبي منذ أن أصدر ديوانه الأول (أشعار من جزائر اللؤلؤ) قبل حوالي خمسين عاما - تجربة شاعر عربي متميز، لفت أنظار القراء والنقاد والدارسين منذ تلك الوهلة التي فاجأ بها هذا الشاعر قراءه ونقاده بصوت شعري مختلف، صوت قادم من الجزيرة العربية، مهد الشعر، ويحمل في وجدانه إرثا شعريا عظيما، ولا غرابة في ذلك وهو وريث أولئك الشعراء العظام الذين عرفتهم هذه الجزيرة العربية واصطفتهم للشعر والإبداع.

ولكم أن تتصوروا معي شاعرا سعوديا شابا، قبل خمسين عاما، يلفت إليه الأنظار، ويكسر بإبداعه الأصيل ثنائية المركز والهامش، ويحمل بإبداعه المتوهج ناقدا كبيرا كالدكتور عبدالقادر القط، على الاحتفاء به، وأن يخصص له في كتابه العظيم (الاتجاه الوجداني في الشعر المعاصر) فصلا متميزا، وما ذلك إلا لأن هذفا الشاعر القادم من مهد العرب ولد كبيرا، وأخلص لموهبته الفذة التي ما خذلته في رحلته الطويلة مع الشعر والإبداع.

ومنذ ديوانه الأول الذي صدر عام 1380هـ كان غازي صوتا جديدا على شعرنا السعودي، وتوالى إبداعه المميز، وهو شاعر غزير الإنتاج، ليشكل علامة في مسيرة الشعر السعودي، وحينما خاض غمار التجربة الروائية بروايته الرائعة (شقة الحرية) كان غازي القصيبي قد دشن بعمله هذا مرحلة جديدة من عمر الرواية السعودية.

وكان أبو يارا بكل أعماله التي أبدعها صوتا مهما في مسيرة الأدب العربي الحديث، يعطي ويمنح عالم الإبداع هذه الآثار الأدبية الرائعة التي تعلم الأجيال كيف يكون الأديب رائدا في أمته ووطنه، وكيف يصبح الأديب معبرا عن ذاكرة تراثه ومجددا فيه، وهذا ما كان عليه شاعرنا الكبير غازي القصيبي، الذي طالما كان شعره وأدبه رافدا أساسيا لي ولغيري من الشعراء والأدباء والقراء، ويكفيه أنه صبغ الحياة الأدبية في بلادنا بميسمه، فكان كشاعره الأثير لديه المتنبي (مالئ الدنيا وشاغل الناس)!

الإخوة والأخوات..

لعل أبرز ما يميز تجربة غازي القصيبي الأدبية أنه أديب ذو قضية، وقضيته هي هذه الأمة الممتدة من الخليج إلى المحيط، حمل همومها بين جوانحه، وأخلص في ركضه من أجل عزها ومجدها، وكان غازي على الرغم من تغير معالم السياسة الدولية والإقليمية ثابتا على مواقفه، لأن قضيته ليست مرتهنة بشعار أيديولوجي، أو مرحلة سياسية، ولكنها قضية أمة طالما حمل همها، فتحول إلى تيار شعري لا يدين لغير الشعر، مجددا، وصامدا وثابتا على رؤيته التي آمن بها، فهو ابن أصيل للمدرسة الوجدانية في الشعر العربي، وأحد مؤصليها الكبار.

نعم هو شاعر رومانسي متجذر في رومانسيته، ولكنها تلك الرومانسية المتوثبة، الثائرة، التي لا تقبل المهادنة.

وهكذا كان أبو يارا شاعر أمة بقصائده التي أحبها قراؤه العرب في كل مكان، وأصبحت دواوين غازي وقصائده رموزا، ومعالم على الطريق، فمن منا لا يعرف قصائده التي تغنت بالوطن؟ وهل بمستطاع أحد أن ينسى قصيدته الرائعة (أنت الرياض) حين صاغها أنشودة حنونة يبثها بعد أن غاب عن وطنه وعاد إليه عاشقا مولها:

أحبك حبي عيون الرياض

يغالب فيها الحنين الحياء

أحبك حبي جبين الرياض

تظل تلفعه الكبرياء

أحبك حبي دروب الرياض

عناء الرياض.. صغار الرياض

وحين تغيب الرياض

أحدق في ناظريك قليلا

فأسرح في (الوشم)، و(الناصرية)

وأطرح عند (خريص) الهموم

وحين تغيبين أنت

أطالع ليل الرياض الوديع

فيبرق وجهك بين النجوم

ومن منا لم يتألم، مع غازي حين بكى لبكاء البنات الصامدات في فلسطين؟ ومن منا لم يحس بذلك الشعر الذي طالما انساب بين أنامل غازي رياناً طرياً، وهو لم يترك مناسبة للوطن والأمة إلا وكان شاهدا عليها؟ فكان شعره، وما أحلاه وما أرقه، الغناء في فرح الشرق والبكاء في أحزانه.

شكرا لصحيفة (الجزيرة) ونادي الرياض الأدبي أن منحاني هذه الفرصة الكريمة للحديث عن شاعر أمة بحجم غازي القصيبي، وشكرا لصحيفة (الجزيرة) أن أمدت تراثنا الأدبي المعاصر بهذا السفر الرائع كتاب (الاستثناء)، وأقول لصديقي وزميلي الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير صحيفة (الجزيرة) وزملائه في المجلة الثقافية: شكرا لكم على هذا الوفاء العظيم، وأرجو أن تستمروا في هذا النهج الثقافي الذي يعبر عن نبض الثقافة في المملكة العربية السعودية والعالم العربي كله، وأدعو الله - تبارك وتعالى - أن يسبغ ثوب الصحة والعافية على أخي وصديقي معالي الدكتور غازي القصيبي، وأن يعود إلى أهله ووطنه ومواطنيه سالما معافى.

ثم تحدث معالي الأستاذ عبدالرحمن السدحان.. مشيراً بالأستاذ المالك والدكتور إبراهيم التركي على إسهاماتهما الصحفية والثقافية.. قائلاً: أبدأ بدعاء من القلب في هذه الليلة المباركة وأمام هذا الجمع المهيب، أن يشفي الله الكريم الضيف الاستثنائي لهذه الأمسية الاستثنائية، معالي الإنسان الكبير الدكتور غازي القصيبي، وأن يعيده إلى أهله ووطنه مكللا بغار الصحة والسعادة، ليستأنف تغريد الإبداع لكل ما فيه خير هذا الوطن، حاضرا ومستقبلا.

ثم الشكر من الأعماق لنادي الرياض الأدبي ولرئيسه الأديب الدكتور عبدالله الوشمي، لمبادرة الدعوة إلى هذا اللقاء المثير، تكريما للرجل العملاق، أدبا وفكرا وإدارة وإنجازا، معالي رفيق العمر الدكتور غازي القصيبي، حفظه الله من كل ضيم، وأزال عنه كل بأس، وهي مناسبة رائعة للحديث عن هذا الرجل الذي أسمع بأدبه وأقواله وأفعاله من به صمم، داخل هذا الكيان وخارجه، وقد أسعدني الحظ بمهاتفته الليلة البارحة في مقر إقامته في أمريكا حيث حدثته عن هذه الأمسية، بما يليق بها وبصاحبها وحضورها والقائمين عليها، وقد حملني معاليه التحية والشكر لكل من سعى في سبيلها تنظيما وحضورا ومشاركة.

وفي الوقت نفسه، أشيد بفخر وتقدير وعرفان بالصديق المتعدد المواهب، الأستاذ خالد المالك، فارس هذه الليلة، وبرفيق مشوار الإبداع في صحيفة (الجزيرة) الصديق والأديب الدكتور إبراهيم التركي؛ لما بذلاه من جهد حين استكتبا عشرات الأقلام من داخل المملكة وخارجها عبر وليمة أدبية مذهلة للحرف المبدع كان غازي مادتها ومزاجها وعطرها، وكان الكتاب الذي أفرزه ذلك الجهد الجميل استثناءً في مضمونه وإخراجه يليق بمن أعد عنه، قامة وإبداعا!

إن وجودنا هذا المساء تحت قبة الثقافة وبحضور فارسها العزيز، معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة، ورفاقه الكرام، هو تعبير (سميفوني) رائع عن الحب لغازي والتقدير العميق لمشواره الطويل المتعدد المنابر والأفعال والغايات، وهو تجسيد صادق للتعاطف الوفي مع هذا الإنسان الرائع، في وعكته الطارئة، التي حرمتنا شرف مشاركته هذا المساء، لكنه رغم ذلك، (ساكن) في أفئدتنا، حضر أو غاب!

واللقاء، من قبل ومن بعد، وقفة شهمة للوفاء من قبل رفاق الحرف الأوفياء تجاه هذا الرمز الجميل الذي فاق بإبداعه كل تصور، وخدم بلاده ولا يزال يخدمها.. بعزيمة الإيمان وعاطفة الولاء.. وإرادة الإنسان القوي الأمين القادر على فعل كل ما فيه الخير والصلاح والبناء لهذا الوطن الغالي.

دمتم.. ودام الوفاء، وعاش الوطن الغالي عزيزاً بأبنائه الأوفياء المبدعين أينما كانوا.

أما الدكتور عبدالله العثيمين فاستعرض مراحل مختلفة من مشوار العطاء المميز للاستثناء القصيبي قائلاً: لقد تزامنت دراستي العليا في بريطانيا مع دراسة أخي الدكتور غازي هناك، فسعدت بمعرفته في تلك البلاد، ثم تزاملت معه عضوي هيئة تدريس في جامعة الملك سعود، هو في كلية العلوم الإدارية وأنا في كلية الآداب. وكان نعم الزميل في المرحلتين، كما كان نعم الصديق الوفي.

ثم أخذته مسؤوليات جسام إلى أماكن أخرى كان نعم المسؤول فيها، نزاهة وأداء إدارياً مميزاً. وكان من أهم تلك المسؤوليات وزارة الصناعة والكهرباء ووزارة الصحة. وكان محل التقدير والثناء من المواطنين والمواطنات في هاتين الوزارتين المهتمين. وكان ممن شهدوا له تقديراً وثناء أخي الشيخ محمد، رحمه الله، الذي لم يرد ذكر الدكتور غازي إلا أبدى ذلك التقدير والثناء. واصفاً إياه بالقوة والأمانة.

والدكتور غازي - كما هو معروف لدى الكثيرين - ذو ثقافات متعددة الجوانب، وقد وهبه الله قدرة بيانية، شعراً ونثراً يندر أن يضاهيه فيها المتخصصون باللغة العربية وأدبها. وما زلت أذكر تلك المحاضرة التي ألقاها في جامعة الملك سعود عن الشعر العربي المعاصر، وكانت قمة أسلوباً وعرضاً ومحتوى.

أما أنا فقد:

عرفت الشعر من ألف لياء

ثرياً بالمديح وبالهجاء

وما أهملت في دنياه نوعاً

سوى ما كان أشبه بالهراء

يتوق إلى حماه خدين فقر

وأصحاب الوجاهة والثراء

وكم ناديت عاطفة القوافي

فلم تعطف ولم تسمع ندائي

وقالت لي: فداك أبي وأمي

رويدك لا تطل حبل الرجاء

زمام الشعر يملكه القصيبي

وسلَّمه إليه كهربائي

إذا زان السماء جميل معنى

سما يجنيه من كبد السماء

وأنمله تصوغ القول لفظاً

بديع السبك مزدان الرواء

على أني أكاد أطير خوفاً

بأن ينأى به الفن الروائي

فأصبح عنده ضيفاً ثقيلاً

حسير النفس أندب كبريائي

والدكتور غازي عبَّر تعبيراً رائعاً عن شعور متدفق، وطنياً وقومياً. وقضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى، ولهذا جاءت لها صدارة في شعره، ومن ذلك تعبيره عنها في قصيدتين رائعتين: الأولى عن الطفل الفلسطيني محمد الدرة، الذي قتله الإرهابيون الصهاينة بدم بارد. والثانية عن الفدائية الفلسطينية البطلة آيات، التي جادت بنفسها فداء لوطنها المقدس، ومن أبيات القصيدة الأولى:

يا فدى ناظريك كل زعيم

حظه في الوعي أدان وندد

يا فدى ناظريك كل بيان

بمعاني هواننا يتوقَّد

يا فدى ناظريك كل اجتماع

ليس فيه سوى خضوع يجدد

ومن أبيات الثانية:

قد عجزنا حتى شكا العجز منا

وبكينا حتى ازدرانا البكاء

وركعنا حتى اشمأز ركوع

ورجونا حتى استغاث الرجاء

وشكونا إلى طواغيت بيت

أبيض ملء قلبه ظلماء

أيها القوم نحن متنا ولكن

أنفت أن تضمّنا الغبراء

ومنها:

قل لآيات: يا عروس العوالي

كل حيّ لمقلتيك الفداء

تلثم الموت وهي تضحك بشراً

ومن الموت يهرب الزعماء

وكان مسك هذه القصيدة:

حين يدعو الجهاد لا استفتاء

الفتاوى - يوم الجهاد - الدماء

ثم تناول الدكتور حسن الهويمل مسيرة الأدب والإبداع والثقافة لدى الرمز الاستثناء القصيبي قائلاً:

أثمن هذه الدعوة الكريمة من تلميذ الأمس وزميل اليوم الشاعر الأديب وابن الشاعر للأديب الدكتور عبدالله الوشمي وزملائه أعضاء مجلس الإدارة فالمناسبة والمحاضر والمحتفى به أثيرون عندي ولا مزيد على ما أفاض به المتحدث الرئيس، ومن بواعث السعادة أن الأستاذ خالد المالك وفيّ لأصدقائه وزملاء دربه يباريهم ويحفظ ساقتهم ويرعى ذمامهم ويشيع في الخافقين ذكرهم وتلك خليقة تعز في غمرات المشاغل فله منا الشكر الجزيل والعرفان الجميل والدعاء الصادق.

أما المحتفى به فرجل شوارد يسهر الخلق جراها ويختصموا ورجل مبادئ ومواقف يفرض احترامه على من يعرف الفضل لذويه.

ورجل مبادرات وابتكارات تثير الاعجاب والاكبار ورجل إبداع يجمع بين الجلال والجمال يحمل هم الأمة ويهتم بأمرها راد شعراء التجديد فأرسى قواعدهم وسبق شعراء العمودية وما نقموا منه فكان بينهم واسطة العقد يتنازعونه فيما بينهم ناء الشعراء بهم فتلقاه السرد وحين اجهد مطايا القول أسرج خيول العمل فأنار الظلام وشفى السقام ولما تزل مواقعه شواهد اثبات لتفوقه وتألقه حتى اصبحت كالنهار الذي لا يحتاج إلى دليل والاختلاف مع نوازعه الفكرية والأدبية اختلاف والاختلاف تنوع تنمو معه فيافي الحضارة، ولقد يكون الخصام حوله من مؤشرات العبقرية فالعقاد في عبرياته يتكئ على هذا المؤشر ويضرب مثلا بعلي بن أبي طالب الذي أحبه قوم فعبدوه وكرهه آخرون فقتلوه.

لقد شدتني إليه إبداعات غزيرة وإنجازات مثيرة وأيقنت أنني أمام رجل استثناني سيملأ الأرض قيما وأدبا وخيرة وجدلا.

وحين قلت بين يديه وأنا أقدم واحدة من أمسياته الشعرية ما عَرَّس في أرض إلا ترك فيها أثرا مثيراً. كنت أعول على تحريكه لكل المحافل واستدراجه لكل الخطابات وتحفيزه لكل الكفاءات وامكاناته الذاتية ومواهبه الإبداعية صيرت حساده ومنافسيه فهو وحده الذي يتحمل مسؤولية هذه الإثارات لقد كان بالفعل متعدد المواهب متنوع القدرات وكان فيما يأتي ويذر مثار إدهاش ومحط اعجاب فيه جاذبية حين يتحدث ومتاع حين يبدع واكبار حين يعمل وأحسب أنه جدير بالاحتفاء وقراءة فكره وشعره وسرده واستعراض سيرته، فذلك كله من متطلبات المرحلة التي صوح سننها ورعي هشيمها نسأل الله له الشفاء العاجل والعود الحميد ليذهب حزنُ محبيه وعارفي فضله ويشفى صدور قوم مؤمنين.

وتأتي مشاركة الأستاذ د. محمد رضا نصر الله.. مستعرضاً بقراءة تأملية عقلية الاستثناء القصيبي واتجاهه ومنهجه.. قائلاً: حين سمعت به وتعرفت، كانت المنطقة العربية، تصطخُب بغبار الصراعات السياسية، واختلاف التجارب الابداعية في كتابة الشعر والقصة، وقد انعكست عليها أثارُ هزيمة 67 المدوية.. هذه التي عبّر عنها الشاعر غازي القصيبي في ديوانه المدوي - هو الآخر - «معركة بلا راية» الذي شكل بداية احتكاك مواهبه الأدبية والأكاديمية والإدارية بالمجتمع السعودي، وهو يخرج من عزلته التاريخية بقيام الدولة الثالثة وسط مبادرات اجتماعية وثقافية، حاولت التعبير عن قسمات المجتمع الجديد، المتشكل بين الحربين العالميتين.

غير ان مبادرة غازي امتازت بين تلك المبادرات عن غيرها بما أسميه (الإبداع المركب) فهل بسبب كونه شاعراً؟ اصطبغت مبادراته في التدريس الجامعي استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود.. وتجربته الإدارية وزيراً للصناعة والكهرباء، عبر إنشائه شركة سابك، ومأسسة شركات الكهرباء.. فوزيراً للصحة ثائراً على تخلف الخدمات وفساد الذمم.. ثم وزيراً للمياه وأخيراً وزيراً للعمل مصراً على السعودة، ومحاربا بطالة العمالة الوطنية، وتجارة (الفيز) العمالة الوافدة.

نعم هل بسبب كونه شاعراً صافي الروح، نبيل المعاني، عميق التدين، وطني المنبت، قومي الانتماء إنساني الرؤية اصطبغت تجربته بالبعد المضاف؟

لم يكن أسير تنظيراته في قضايا التنمية، وقضايا الحراك الاجتماعي والثقافي، وإنما كسر بمواهبه العديدة وجرأته الأدبية.. وقبل ذلك بوطنيته الفذة جمود النمطية وبلادة البيروقراطية فإذا بغازي القصيبي يبدو وزيراً ناجحاً، ومفكراً تفاعلياً، وروائياً قائداً.. نعم فروايته (شقة الحرية) وكذلك (العصفورية) شكلا منعطفا مفصليا في تاريخ الأدب العربي المعاصر. وليس السعودي وحده، مما شجع قوافل كتاب القصة (السعودية) وكاتباتها نحو الانطلاق، بملامسته المسكوت عنه في نفسية جيله المنفتح في عقد الستينيات، على التجارب السياسية والأفكار الايدلوجية، قبل ان يعود ورفاقه من القاهرة وبيروت والولايات المتحدة الأمريكية، لمواصلة مسار التنظيم في مؤسسات الدولة والمجتمع، ووضع لبنات التحديث في حركة الثقافة والتعليم الجامعي.

أخلص من هذه الإلمامة العجلى على تجربة غازي الواسعة.. المتعددة والمثيرة.. إلى أنه شكل بإبداعه المركب استثناء في الكم والنوع كما وصفته بحق جريدة الجزيرة في كتابها التكريمي، حتى اخترق مقاسه حدود المحلية الوطنية إلى آفاق أخرى.. وزيراً مصلحاً ومفكراً إصلاحياً شاعراً متمرداً وروائياً أشد تمرداً على الأوضاع والأشكال.. هكذا يشار الى اسم غازي القصيبي اليوم في العالم العربي وخارجه.

وهكذا تقرأ تجربته الفريدة التي اختزلت تجارب أجيال بلده الاجتماعية والثقافية مثلما اختزل تجارب العرب في الشعر والأدب والثقافة.. وكذلك الرؤى العالمية في قضايا التحليل السياسي وأدبيات التنمية.

كل هذه العوامل تقف وراء جملة النجاحات - أدبية وعملية - التي تحققت لغازي.. يدفعه نحوها حبه الوحدوي المنزه من نوازع الاقليمية والقبلية والمذهبية.

يا ترى.. هل كان لمولده في الأحساء من أب نجدي وأم حجازية، وتربيته في مجتمع البحرين المختلط المكونات.. دور رئيس وراء هذا التميز والنجاح في تجربة غازي؟

هذا ما ينبغي ان يكون مثار اهتمام الدارسين لظاهرة غازي القصيبي، وقد أصبح ملء السمع والبصر. مالئ الدنيا وشاغل الناس كعمه أو أبيه أبي الطيب المتنبي صيغة قلقة خلاقة من الطموح والزهد. السلطة والحرية.. الحنين والاغتراب ويا لها من صيغة!

أمسية الاستثناء شهدت إلقاء عدد من القصائد للدكتور القصيبي بصوت الشاعر الأستاذ عبدالله الزيد.. منها قصيدة:

أُغنية للفارس.. والوطن

أسرج حصانك قرنُ الشمس ينتظر

وهُزَّ بندك يسمع خفقه الظفر

تنفست لهفةُ الصحراء عن نبأ

عذب.. كما سال في قلب الظما المطر

هل جاء؟ ماست به الكثبان والهةً

هل جاء؟ غنى بها في الخيمة السمر

الفجر لاحت رياض العز وابتسمت

هنا التقى فارس والشعب والقدر

تغفو الجزيرة حيناً ثم يوقظها

صدى الأذان فيندى الموسم العطر

جرد حسامك.. لاضوء بلا شهبٍ

ولا نهار إذا لم يلمع الشررُ

في كل شبر دويلات مبعثرة

هيهات يجتمع التوحيد والصِّغرُ

جَرِّد حسامك بالإيمان ترفعه

وبالشهامة لا بالغدر.. ينتصر

اقرأ كتابك ان الهدي ما حملت

شريعة الله لا ما نمق البشر

لا يستوي مؤمن لله وثبته

وفاجرٌ بدماء الناس يأتزر

ودولة الظلم لا تبقى وان بطشت

ودولة العدل بالمعروف تزدهر

قرن يهم به التاريخ مفتتنا

كما تهيم مجيد الغادة الدرر

قرن ترعرع في أفيائه وطن

بالحب ينمو كما تنمو به الشجر

قلبي توزع في أرجائه قطعا

يسوقها الشوق لا يبقي ولا يذر

تركت في مكة قلبي وطالعني

قلبي بطيبة والأطياب تنهمر

وفي الرياض أرى قلبي وألمحه

ملء الجنوب وضمت قلبي الخبر

من الجبال الى الشطآن رحلته

وفي الصحاري وفي الواحات ينتشر

الله يا تربة حباتها امتزجت

بالروح أنت الهوى والعشقُ والوطر

عبدالعزيز نظمت الفخر ملحمة

بها تظل عيون الشعر تفتخر

وجئت أحمل أبياتي على خجل

ما جئت أمدح لكن جئت اعتذر

د. غازي بن عبدالرحمن القصيبي

د. فوزية أبو خالد شاركت بمداخلة ضافية تناولت فيها الرمز القصيبي عبر عدد من المحاور.. حيث ذكرت:

مساء المسك والكادي دكتور غازي.. مساء المحبة لبقية الحضور نساء ورجالاً.. مضيفة: دعوا الصحراء تهيم بالعاشق دون ضجيج الشهود. ونخيل الأحساء دعوه يطارحه الهوى بتلك القبلات الشفيفة دون نظرات مستريبة تجوس من شقوق الباب. خلوا بين غازي وبين الحباري في ولههما المستدام لتبادل الأجنحة وجنحة البحث عن سموات جديدة. فلا تزال أصابعه تقطر حبراً بشهده ليكتب شعراً ونثراً وبحوراً وفلوات مشتعلة بجذوة الشباب. لم يتب الشاعر عن شهوة الماء في عذاري, لم يفطم الطفل عن نبع زمزم ولا كفت روحه عن مطارحة الأحلام.

مختتمة مشاركتها بالشكر قائلا:

شكراً بشكل شخصي على عشب الأمل الذي مكرت به لما اعترض طريقي من تلك المكائد التي تعترض عادة مواكب التجديد.

شكراً بصوت جماعي على أشواك الاستشفاء التي توزّعها على المجذومين وعشاق النهار والغجر المطاردة عبر القارات لتكتب أقداراً أقل طيشاً وأكثر حميمية لأبطال كانوا يحلمون بنهايات ملحمية... فإذ أنت بجرة جناح تحول النهايات المحتومة إلى بدايات تشرق.

شكراً غازي في المطلق أنك اخترت هواية لا توهب ولا تهاب.

الجدير بالذكر أنه كانت هناك مداخلات كثيرة وكلمات ضاقت مساحة هاتين الصفحتين عن استيعابها.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد