كالأفلام تماماً أو أشدّ من قصص الأفلام، أحد عشر شخصاً اجتمعوا على شخص واحد وقتلوه تحت سماء دبي، ولم تتذّرع شرطة دبي بأدبيات حسن العلاقات مع دول الأشخاص الذي قاموا بالجريمة، بل كانت أكثر شفافية مما كان متوقعاً ونشرت كل الأسماء والصور وتفاصيل حادثة قتل الفلسطيني «الحماسي» محمود عبدالرؤوف المبحوح، بمساعدة فلسطينية لم تتحدد معالمها بعد في شيء لصالح العدو الإسرائيلي المحارب لحماس، قد يجد أي محايد - لستُ محايدة في الصراع العربي الإسرائيلي فأنا في صف المظلوم الفلسطيني طوال تاريخ هذا الصراع- أقول قد يجد المحايد مبرراً في أن ترغب الموساد في التخلص من أعدائها، لكن أن تستغل -هي أو غيرها- أراضي دول أخرى رفعت سقف حريتها وفتحت أبوابها لشعوب العالم لتنفيذ جرائمها غير عابئة بكل القيم والأعراف الدولية يبدو الأمر مخزياً للغاية، ولا بد من الإشارة للشجاعة الإماراتية متمثلة في شرطة دبي في الإفصاح عن الحادثة التي ظهرت عبر وسائل الإعلام في قمة الشفافية والتعليق السياسي والجنائي المسؤول من القائد العام لشرطة دبي الفريق ضاحي خلفان تميم الذي كشف فيه عن كل شيء واضعاً مصلحة حكومة مدينته وأمنها فوق كل شيء، وإن كانت دبي - لسان حاله يقول ذلك - مدينة مفتوحة اقتصادياً وسياحياً وترحب بالأجانب عموماً والغربيين على وجه الخصوص، إلا أنها لن تكون مكاناً مفضلاً لتصفية الحسابات والاغتيالات وقبة للجنون الجنائي، وما حادثة سوزان تميم عنّا ببعيد عندما بذلت شرطة دبي جهوداً جبّارة بجانب شفافية إعلامية عالية لتحرج وتقود القاتل المستأجر، ومن وراءه من صاحب نفوذ وأموال إلى حبل المشنقة بعد أن تعاونت السلطات والقضاء المصري تماماً مع الرغبة الإماراتية.
وماذا بعد، إن أمن الدول قضية حساسة وغير قابلة للتفاوض أو التنازل أو المساومة أو المسامحة أو أي نوع من أنواع الوهن في حال ارتكبت جريمة على أراضيها، لأن العكس لو حدث في الدول الغربية فلن تتهاون تلك الدول في أن تقيم أحكامها وقوانينها على الأمير والغفير بدون أي تفرقة، ورسالة حكومة دبي ممثلة في شرطتها واضحة جداً لا تقبل الجدل ولا التأويل، ولا أظن أن أحداً بعد الآن سيفكر أن يجعل من أرض دبي وطناً للاغتيالات بعد هذه الشجاعة القوية التي مارستها حكومة وشرطة دبي، والتي أتمنى أن تتكلل جهودها بالنجاح على طول الطريق.
في رأيي الشخصي، لا يوجد خيارات حول الوحدة والوطنية والأمن والتراب والوطن، ولا يمكن المساومة فيها وأي تنازل مهما صغر أو أهمل هو تنازل عن أهم المهمات وأجل الضرورات وأعظم الواجبات، إذ لا شيء يفقده الإنسان عندما يفقد أمنه أو يفقد وطنه أو يفقد ترابه وانتماءه، وعندما أحيي حكومة وشرطة دبي فأنا أحيي فيها الوطنية وحرصها على أمنها ووطنيتها حتى لو خسرت بعض علاقاتها أو تضررت بعض الشيء، إذ لا شيء فوق الأمن والوطن.
ما زال في جعبتي الكثير حول هذه القضية، سأكمل معكم الأربعاء المقبل -إن شاء الله- ودامت أوطاننا آمنة.
www.salmogren.net