كانت حرارتي مرتفعة عدة شرطات، وكانت بحّة الصوت لا تزال ممسكة بحنجرتي لنزلة البرد التي لازمتني من أول شهر فبراير إلى الآن، إلاّ أنني لم أبالِ باسترحامات الزائر غير المرغوب فيه, فقمت ومسحت سعوط الفيكس عن رقبتي وأبعدت القربة الساخنة عني ونفضت دمي عدة مرات.
مشقت قامتي وأخذت زينتي البسيطة كحل وشال شالكي وردي تحت الشيلة والعباءة واتجهت إلى المركز الثقافي بما يسمّى حي الشرفية بالرياض.
منذ أن هاتفني مساء الجمعة الماضي رئيس النادي الأدبي بالرياض د. عبد الله الوشمي لأشارك في لقاء توقيع كتاب جريدة (الجزيرة) «الاستثناء» غازي القصيبي وأنا مشغولة عن مرضي بأخيلة مساء الأحد الموعود، فهل لغصن عاقل أن يستكين أو ينام إذا استبد به هاجس المطر.
كلمات كلمات كلمات بعضها مجتهد وبعضها حاول أن يخرج على محدودية المفردات، تحدثت عن غازي بأبعاده الإنسانية المركبة بمودّة عميقة وبحفاوة صادقة، فلّما جاء دوري للمشاركة بصوت النساء لا أدري كم خانتني الكلمات، ولذا رأيت أن أكاشف جميع قرائي ببعض من مشتركات العقل والقلب في حب غازي الرمز والإنسان.
وهذا ما كان من أمر مشاركتي ذلك المساء:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء المسك والكادي دكتور غازي
مساء المحبة لبقية الحضور نساء ورجالاً
صه لنصمت قليلاً. رجاء مزيداً من الهدوء ... هدووووووء ...
هدووووووووء ... لا تجرحوا كبرياء كلماته بالمدائح .. لا تجفلوا الرشا الشاردة في شعره بصيحات الإعجاب ...
دعوا الصحراء تهيم بالعاشق دون ضجيج الشهود. ونخيل الأحساء دعوه يطارحه الهوى بتلك القبلات الشفيفة دون نظرات مستريبة تجوس من شقوق الباب. خلوا بين غازي وبين الحباري في ولههما المستدام لتبادل الأجنحة وجنحة البحث عن سموات جديدة. فلا تزال أصابعه تقطر حبراً بشهده ليكتب شعراً ونثراً وبحوراً وفلوات مشتعلة بجذوة الشباب. لم يتب الشاعر عن شهوة الماء في عذاري, لم يفطم الطفل عن نبع زمزم ولا كفت روحه عن مطارحة الأحلام.
لا يزال لدى المبدع غابات شوق وباقاتِ نجوم وبطولاتٍ تتكوّن ننتظرها بفارغ الصبر وعلى أحر من نار الحب.
صه .... اسمعوا معي ... لنصغي لصوت ضحكته المجلجلة بأجراس الطفولة المشحونة بصبابات الصبا، فقد يكون له رأي مغاير في مثل هذه الاحتفائيات. لذا ليس لي وقد قبلت التورُّط مع محبيه ومريديه وأصدقائه ومن يقدّرونه من الأعماق, ومن يغارون منه أو يغبطونه على أحسن تقدير، إلاّ أن أختصر الوقوف على يده ساعة الكتابة .... إذا أحسب أن الاحتفاء به، ونستطيع أن نسأله وليس هو من يخشى جرأة الجواب، لن يغير بخله الجاحظي بالوقت على المناسبات وسخاءه الطائي في تبديده على خلوته مع بنات الأفكار، وإلاّ لما استطاع أكثر من جيل أن ينعم بروائعه الأدبية.
ولذا أكتفي من المشاركة في هذا اللقاء الذي أراه وأريده موعداً مع أعمال جديدة يفاجئنا غازي بدهشتها كعادته العنيدة ..... برسالة كتبتها له قبل عشر سنوات
الرسالة:
لا بد أنك لا تعرف مرارةَ المرور بين براثن سياسي وشرائك إداري، أو أن تكون في مهب الريح بين نفث ساحر وجنون شاعر لا لشيء إلاّ لتقول لطيف من أطيافه المتعددة «الله ما أبدعَ الحريةِ التي تبتدعها للمدادِ وما أروعَ رعونة القلم عندما تغوي اللغة إلى غابات الخيال ليغدر بإعاقات الواقع». ومع ذلك أسمح لنفسي بأن تجترح جبروت المحاولة للمرور بجسدي الحبري النحيل من أمام حراس السفارة أو الوزارة لترى بعيونك ما علق بألوان الفراشة من هالات السهر بين العتمة والضوء وما طال لوح مفاتيحي من وعثاء السفر بين اليابسة والماء.
شكراً بشكل شخصي على عشب الأمل الذي مكرت به لما اعترض طريقي من تلك المكائد التي تعترض عادة مواكب التجديد.
شكراً بصوت جماعي على أشواك الاستشفاء التي توزّعها على المجذومين وعشاق النهار والغجر المطاردة عبر القارات لتكتب أقداراً أقل طيشاً وأكثر حميمية لأبطال كانوا يحلمون بنهايات ملحمية .... فإذ أنت بجرة جناح تحول النهايات المحتومة إلى بدايات تشرق.
شكراً غازي في المطلق أنك اخترت هواية لا توهب ولا تهاب.
Fowziyah@maktoob.com