(398) مؤسسة إعلامية عربية، تمتلك (17) قمراً صناعياً، وتطلق بثها من خلال (696) قناة فضائية، هذه هي إحدى أهم معطيات تشكيل وعي الإنسان العربي، ينطلق منها من لدُّنا ما يتوافق مع خصوصيتنا، وما يلبي حاجاتنا الفكرية والعاطفية والنفسية قصيرة وطويلة الأمد - أفراداً وجماعات -، ونحن وفقاً لذلك مشاركون في صناعة العالم الافتراضي, الذي يقدم واقعنا الحقيقي ويسهم في تشكيله وما يصلنا بالعالم حولنا, وما يُعبِّر عن هويتنا وموروثنا وثقافتنا.. التي حوَّلها فرط الانتشاء والترداد الشعاري إلى ما يشبه الهلام, أو مقتضى ديباجات الكلام.
- ما لم يحسب علينا - من وحدات تلك المؤسسة - بآصرة انتماء، أو برعاية واحتضان، يتجه بحسب ما يريده القائمون عليه، ولكل منهم وجهة هو موليها، أما ما ينطلق منها ممهوراً ببصمتنا وإن بإطار إداري مؤسسي شكلي وريع إعلاني وفير، تطعَّم طواقمه الإذاعية ببضع وجوه وكائنات من تصديرنا؛ فنجد فيه ما يسر.. وما لا يسر!.
والحديث هنا يستثني القنوات الرسمية والإخبارية.
- أما جل المستثنى منه, فمسلسلات هابطة تنضح بنوعية الموقف الأخلاقي والمستوى القيمي لمن يضربون بها وجوهنا، ومسابقات تعيد إنتاج ثقافة عصور الانحطاط، مشيعة ما استطاعت جذور هذه الثقافة ومؤصلة لتداعياتها وأدبياتها في المجتمعات بلبوس تنافسي محموم, مراهنة على حاجات الناس وغرائزهم والنزعات (.....) في تكوينهم.
- كل ما تخجل منه ويأباه عقلك ومروءتك ستجده موفوراً، يدفع به إلى الواجهة اتساع وفراغ عينيك ووقتك.. لتتناغم متغيراتنا الاجتماعية والثقافية السائدة، مع فقرات وطفرات مخرجات تلك القنوات.
- بها ومن خلالها صرنا نعيش أفدح مظاهر التناقض, إفراط في المحافظة والصمت والوجل من المواجهة.. وتفريط في التناغم مع زخ تلك المخرجات, ولكل أهدافه ومراميه؛ طفرة في شره الملاك على الاستحواذ على نسبة مشاهدة أكبر بكل ما يُتاح المتاجرة به من الأشياء والناس والقيم والغرائز، في وقت أضحى فيه الترخص مؤشراً على ازدياد نسبة المشاهدة وضماناً لها, والابتعاد عن الثقافة الجادة والترفيه الاحترافي, واحترام الإنسان؛ مسلكاً مزيناً بشهوات النفس وما تدنَّى من أهوائها؛ كل ذلك على مرمى عينك القريب, بلا علامات فارقة, وسمات فاصلة.
قناة تصدر العهر المقنَّع والسافر في آن, من علامات منجزها التاريخي ومسيرتها الإعلامية صفيق أودعته - أخلاقياتها الإعلامية, ومهاراته الفتية - السجن, وذاتها القناة تقدم واعظاً عصرياً، مهووساً بعقدة الانتشار والجماهيرية, شرهاً بما يزيد من المفتونين بمهاراته كذلك, وكلهم «القناة والواعظ والصفيق، يفصل بين دوافعهم خيط وهمي، يذوب بفرط الجماهيرية ونشوتها, و(كلهم يبكي.. فمن سرق المصحف؟)».
- هذه المنظومة الفضائية الكبرى بمفرداتها المنوه عنها أعلاه.. من أكثر منظومات العالم الإعلامية حديثاً وتنطعاً بميثاق الشرف الإعلامي.. وبمهنية الرأي.. وأخلاقيات رسالة الإعلام ومسئوليته.. وميثاقها الأكيد الوفاء لأهدافها.. والتزامها بمقتضيات وشروط الانتشار.
ولا ضمانة لهذا الانتشار إلا بمزيد من تعميم الضعة وإشهار الانحلال والفراغ القيمي.. لابتدأ بمسابقات ومسلسلات تشيع رذيلة ووسيلة الهدف، ولا تنتهي بواعظ يذكّرنا بالموت ويحدثنا عن سيرة أبي جهل.