الفعل الثقافي الجاد والمسؤول لا يكتفي بالبُعد الجمالي المثالي؛ فهو لا بد أن يكو محملا بالرؤية والهدف الذي يسعى إلى إحداث تغيير وتنوير وأيضا أفق حضاري أكثر اتساعا.
ففي الوقت الذي تتوارى فيه الجوائز المحلية التكريمية لأهل الآداب والفنون وقادة الرأي والمفكرين، وسواهم من صناع الجمال، بأدراج التسويف والتأجيل وغياب الضوابط والمعايير الواضحة، ليحل بدلا منها ضوضاء كؤوس الرياضة ومزايين الإبل.. تبزغ جائزة حائل للرواية كخيمة طافحة بالضوء، محفوفة بالمعشب الواعد، حائزة سبق الريادة على عدد من المستويات.
فأولا هي على مستوى تجاوزت مأزق المركزية الثقافية سواء ما يتعلق منها بمركزية المدن الكبرى (حيث يحتدم النشاط الثقافي ويدعم مؤسسيا وبشريا بشكل يتجاوز مدينة شمالية ليست بشديدة الاتساع)، أو المركزية الإقليمية لجوائز باتت محكومة بأطر وقوانين لا تصب في السياق الإبداعي، لكن حائل قطفت قصب السبق وفازت عبر مجهودات أفراد مزدانين بالأخضر، وهم أعضاء النادي الأدبي بحائل، لم ينتظروا الحركة الثقيلة المطوقة ببيروقراطية المركز، بل نحروا الشمال يتناقلون طفلتهم بحرص وإصرار.
المستوى الآخر هو رجل الأعمال النبيل (عواد بن خلف بن طوالة) الذي موَّل الجائزة كريادة نادرة في هذا المجال، على حين أن رؤوس الأموال في العالم العربي لا تعنى بدعم الفعل الثقافي بصورة واضحة، لربما لقصور بالوعي أو لغياب البيئة المحرضة والحاضنة للقيم الإبداعية، مغفلين حقيقة أن دعم النشاط الثقافي إنما هو تخصيب لحقول ستؤثث وجه الوطن بالإبداع والقيم السامية والتفوق الحضاري لسنوات طويلة قادمة.
المستوى الثالث جائزة حائل في إصرارها على الريادة أوكلت رئاسة لجنة الجائزة لهذا العام إلى سيدة، هي الأكاديمية المورقة د. لمياء باعشن؛ لنجد أن الريادة والإرادة التنويرية تعبران عن كل متكامل غير قابل للمزايدات والتنازلات؛ فهي دفعت إلى الواجهة بامرأة لتقوم على بوابة الجائزة قافزة على جميع التصنيفات العنصرية والدونية التي تنشب أظافرها في وجه التفوق، والتي تنحي المرأة باتجاه الأطراف باستئثار ذكوري يجعلها تأخذ طابعا شكليا تكميليا وليس محوريا رئيسا في اتخاذ القرار.
لعل القائمين على الجائزة استلهموا هنا روح تمثال العدالة تعكسه امرأة معصوبة العينين تحمل ميزانا، وحيثما تكون المرأة يكون العدل والروح الأمومية التي تحرص على المحاصصة العادلة بين الجميع.
المستوى الأخير هو التفاف نخبة من مبدعينا حول الجائزة ودعمها والمشاركة بها، وبعيدا عن الفوز والخسارة؛ فالمحصلة النهائية تجعلنا نبتهج بفوز الفعل الثقافي الوطني الجاد والمسؤول.