كنت قد كتبت مقالاً عن المرور، انتقدت فيه التسيّب المروري في الرياض. وقد تلقيت دعوة كريمة من العقيد عبدالرحمن المقبل مدير مرور الرياض لزيارة مشروع التطوير المروري (ساهر)، والاطلاع عليه عن كثب، وكما يُقال: ليس من رأى كمن سمع.
حقيقة - وهذه شهادة حق - فوجئت إلى حد (الانبهار) بالعمل والتطوير الذي يتم على قدم وساق هناك. مرور الرياض يمر الآن بمرحلة تحول (تاريخية)، من مرحلة الضبط التقليدي، حيث الورقة والقلم والاجتهاد الإنساني، والعمل البيروقراطي، إلى الضبط الإلكتروني المحكم والمنظم. ما اطلعت عليه يحتاج إلى أكثر من مقال، لذلك سأحاول أن أختصر ما رأيت في مقالين، اليوم، والمقال الآخر الخميس القادم.
مرور الرياض سيعمل قريباً، وقريباً جداً، من خلال (منظومة إلكترونية) مترابطة، ومتكاملة، تعمل على الإنترنت، والهاتف المحمول، والأقمار الصناعية حيث يتم تحديد المواقع، وتحليل المعلومات، وإتاحتها لدعم الضبط المروري.
النظام حسب ما رأيت ذو شقين: أحدهما (ضبط المخالفات)، والتعامل معها إلكترونياً وليس بشرياً. الشق الثاني: (ضبط أداء أفراد المرور) ومنع التسيّب، والارتقاء بالانضباط وإنتاجية الفرد أثناء العمل.
الشق الأول ستكون الكاميرات فيه محور الارتكاز لمتابعة التدفقات المرورية، وتنظيمها، وكذلك الحوادث والإبلاغ عنها والتعامل معها، وفي الوقت ذاته ضبط المخالفات، وتسجيلها على المخالف، وأهم ما يحتوي النظام في تقديري رصد ومتابعة السيارات المطلوبة أمنياً (كالمسروقة مثلاً) والإبلاغ عنها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن النظام الإلكتروني إذا سجل على السائق مخالفة، سواء من فرد من أفراد المرور أو من خلال الرادار، فسيجري إبلاغه عنها من خلال رسالة يتلقاها على جواله (SMS)؛ ولن تسقط عنه إطلاقاً؛ أما الواسطة فالنظام الإلكتروني (لا يسمح)، وأكرر (لا يسمح)، لكائن من كان أن يسقطها عنك. فإذا كان لك معارف في المرور، أو قريب أو صديق، أو حتى (كبير)، فليس أمامه عندما يريد أن (يفزع) إلا أن يدفع عنك المخالفة، وليس هناك أي احتمال آخر، اللهم إلا من خلال قسم خاص يتعلق بالمنازعات المرورية، تم إعداده من شرعيين وقانونيين متخصصين، يقوم الشخص المعترض على المخالفة بالاعتراض لديهم، ويقوم العاملون في القسم بالتحقيق والتحري، ثم يصدر القسم قراراً ملزماً لطرفي النزاع تجاه القضية محل الخلاف.. ومن أهم وظائف النظام أن أي سيارة، مسروقة، أو مطلوبة، تمر في الشوارع الرئيسية، فإن الكاميرات تلتقطها، ويقوم النظام آلياً بإبلاغ غرفة العمليات في اللحظة ذاتها، وكذلك إبلاغ أقرب فرقة مرور تكون الأقرب من السيارة المطلوبة ليتم التعامل معها.. حتى وإن تعمّد من يقود السيارة المطلوبة (المسروقة مثلاً) تغيير اللوحات، أو إخفائها، أو تغيير الرقم، أو لون السيارة، فإن النظام من خلال الكاميرات التي تعمل بأشعة الليزر تستطيع أن تكشف ذلك؛ بمعنى أن العربة المطلوبة ستكون (محاصرة) إلكترونياً، وغير قادرة إطلاقاً على (التجوال) في المدينة دون أن ترصدها عيون الكاميرا التي (لا تتثاءب)، ولا تعرف الواسطات، وليس في قاموسها (تكفى افزع لي) ولا (شد لي واقطع لك)؛ وهذا يعني بالمختصر المفيد أن النظام سيرتقي بالضبط الأمني لمدينة الرياض، وليس فقط الضبط المروري.
وقبل أن أنتهي من هذا الجزء، لأنتقل إلى جزئية (ضبط أداء أفراد المرور) في مقال يوم الخميس القادم، أشير إلى أن النظام ليس كما يعتقد البعض مجرد كاميرات، أو رادارات، يجري تركيبها وتشغيلها (وخلصنا)، وإنما هو (منظومة) متكاملة ومعقدة وغاية في التقدم من الأجهزة والمباني والبرمجة وتدريب الأفراد والتشغيل والمتابعة والتطوير الدائم؛ بل هناك مهام أمنية متخصصة تم إضافتها إلى المنظومة حسب متطلبات مدينة ضخمة، يقطنها ما يزيد على خمسة ملايين نسمة، ويستخدم أهلها السيارات في تنقلاتهم أكثر من أي شعب آخر.
إلى اللقاء.