يوم خالد في ذاكرتي تتناثر دموعي كالنهر الجاري كلما طرأ لي ذلك اليوم الموعود، كنت ابن خمسة عشر ربيعاً، فأنا أشد الناس فرحاً وغبطة لأني سألتقي أغلى البشر وأنتظر مجيئه وكلي شوق واشتياق وهو أيضاً يجهّز نفسه للعودة إلى أرض الوطن والخلاِّن كنا نترقّب أنا وأمي وإخواني وأصدقائي وأقاربنا وحارتنا هذه العودة، عودة عفيف اللِّسان واصل الرحم مقري الضيف من لا يخاف بالله لومة لائم ويضفي العطف والرعاية على كافة الأطفال والشباب وموجهاً بأبوته الحانية الأيتام ويتولى قضاء حاجياتهم، حيث كان مجلسه عامراً صباحاً ومساءً ويتولى بدرايته وحكمته المواساة ومشاركة الأحزان ويتقدم سفارة العريس ممسكاً بيده العريس مسدياً له النصائح.الأخبار توحي بعودة غائبنا بصحة وعافية ذلك اليوم كنا نحسبه بمثابة العيد لأن في صبيحته سنلتقي بالغائب الحبيب كانت تلك الليلة أطول الليالي ففي الصباح الباكر أسعد اللحظات والأوقات بالنسبة لي فكلي شوق لنظراته ولنبراته الأبوية الحانية المليئة بالعطف والتربية ومسامعي متعطشة لحوقلته وتسبيحاته الدائمة ليلاً ونهاراً وإلى كلماته التعليمية والتربوية التي غرست فينا المبادئ والقيم والأخلاق الفاضلة ويداي تنتظران الإمساك بهما دوماً إلى المساجد والجوامع والصلاة متأبطاً الخير الكثير على الدوام ممسكاً المصحف الكريم.وجاء صباح ذلك اليوم الخميس على غير عادته فأنا أنتظر قمة الأفراح وفي منتهى السعادة وكلي فخر واعتزاز أمام أصدقائي وجاء الجميع إلى هذه المناسبة عدا والدي وانتقلت المناسبة رأساً على عقب، حيث كان والدي على موعد في فجر ذلك اليوم مع ملك الموت دون أن يشعرنا أحد دون أن يشعر هو أيضاً لأنه يتأهب للعودة إلينا فرحاً مسروراً لذلك سافر والدي دون وداع فلم يودعه أحد منا ولم يودعنا هو أيضاً وطرق الحزن الباب وفتحت له والدتي البيت تاركاً والدي إلى رحمة الله تعالى.رحم الله والدي ووالدتي رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته والمسلمين اللّهم آمين.
عبدالله سليمان النعام – حائل