Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/02/2010 G Issue 13662
الثلاثاء 09 ربيع الأول 1431   العدد  13662
 
المنشود
الدرهم الخامس وبركة الراتب!!
رقية سليمان الهويريني

 

لجأ الفلاح البائس لشيخه يستنجد به مما لحقه من ديون بسبب قلة الراتب الذي يستلمه من صاحب المزرعة التي يعمل بها من بزوغ الشمس حتى المغيب. وأخبره أنه يعمل يوما كاملا بينما لا يستلم إلا خمسة دراهم، وهي غير كافية لإعالة أسرته.

تأمل الشيخ وجه الفلاح مليا، وتفحصه جيداً، وبدلاً من وعده بالتدخل لزيادة مرتبه، فاجأه بطلب التوجه لصاحب المزرعة وتخفيض راتبه إلى أربعة دراهم في اليوم!

تعجب الفلاح من عدم تفاعل الشيخ مع مشكلته، وتوقع أنه يريد التخلص منه فحسب، ولكن الشيخ أمسك بيده وقال له: يا بني افعل ما نصحتك به دون جدال!

ولأن هذا الفلاح يثق بالشيخ كثيرا، فقد اتجه نحو عمله برغم عدم قناعته الشخصية في ظل مرارة الحاجة وقسوة الفقر! وفي نهاية اليوم أخبر صاحب المزرعة مدعيا بأن الأربعة دراهم تكفيه! فاستلمها وصرفها كلها وسدد ديونه، ولم يبق معه ما يكفي للادخار. فذهب للشيخ غاضبا من نصيحته التي أدخلته في دائرة الديون، وطلب منه التدخل لرفع مرتبه إلى عشرة دراهم عسى أن تكفي متطلباته الحياتية!

رمقه الشيخ بعتب، وقال له: يا بني اذهب لسيدك واطلب منه تخفيض مرتبك إلى ثلاثة دراهم!

استشاط الفلاح غضبا ظاناً أن هذا الشيخ لا يشعر بمدى معاناته وحيرته في النفقة من مبلغ زهيد! عاجله الشيخ وقال له: انهض يا بني وأعد الدرهم الزائد لصاحب المزرعة وعد إليّ بعد شهرين!

نهض الفلاح متثاقلا نادما على اللحظة التي استشار فيها هذا الشيخ الزاهد البعيد عن فهم متطلبات الدنيا، الغائب عن استيعاب التزاماتها القاسية!

في أوج الحيرة والقلق أعاد الدرهم الرابع لصاحب المزرعة الذي انتابه الشك حول سرقة الفلاح منتجات مزرعته وإعادته ربع الراتب إحساسا منه بالذنب وبراءة للذمة.

مر الشهر الأول والثاني وصاحب المزرعة يراقب العامل لكنه لم يلحظ اختلاسا ولا سرقة بل لشدة بؤسه وإملاقه انغمس يعمل بجد واجتهاد لينسى مأساته مع الفقر.

مر شهران وتبعهما الثالث وقد نسي الفلاح زيارة الشيخ.أو تناسى كيلا يطالبه بالتخلص من ثلث الراتب! إلا أن الشيخ لم ينسه، بل زاره في المزرعة للسلام عليه وسؤاله عن أحواله. بادر الفلاحُ الشيخَ وقبَّل رأسه وذكر أن أحواله مستقرة ومتيسرة ولله الحمد. إلا أنه متعجب من نصيحته!

نظر الشيخ في وجه الفلاح بمحبة ورفق وابتسم، وقال: يا بني تأملت في وضعك وأدركت أن البركة منزوعة من راتبك، فبرغم أنك تستلم خمسة دراهم في اليوم وهي كثيرة إلا أنك كنت تشتكي الفقر فأدركتُ أن الراتب الذي تستلمه من صاحب المزرعة أكثر من المجهود الذي يفترض أن تقوم به، فمجهودك الفعلي في ميزان العمل تستحق عليه ثلاثة دراهم، وما كنت تأخذه بدون وجه حق يمحق بركة جميع الراتب فلا يكفي حاجتك ولا تستمتع به. وعندما أصبح المجهود موازيا للراتب طرح الله فيه البركة! وفطرتك السليمة لا تقبل الاعتداء، لذا فأنت الآن تشعر بالرضا والقناعة وراحة البال، ولو لم تشعر بها لطلبت منك أن تتخلص من الدرهم الثالث. وإذا ضاعفت جهدك وطلبت من سيدك الزيادة سيزيدك برضا منه وقناعة باستحقاقك الفعلي.

قرأتُ هذه القصة وتوقفت عندها كثيرا، وتمنيت من كل موظف التوقف عندها، وإعادة حساباته مع نفسه وسؤالها بتجرد: هل الراتب الذي يستلمه موازٍ تماما لجهده؟

ألم يسأل أحدنا نفسه:كيف يطير الراتب وكأن له أجنحة، برغم الزيادات والعلاوات والمكافآت والانتدابات؟ وهذا بالتأكيد لا ينطبق على الاختلاسات والسرقات!

ألسنا بحاجة إلى تجديد ميثاق العمل مع الله؛ لنستمتع بما وهبنا من رزق، ونتأمل ما منحنا من حكمة؟!

www.rogaia.net


rogaia143@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد