لا أعتقد أن جهازاً حكومياً ناله الكثير من النقد والجدل واللغط والاتهام والدفاع، كجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل إنك تجد كثيراً من المقالات التي كتبت عن الهيئة وأفرادها، لا تخرج عن دائرة الإثارة والاحتقان والتوتر.
ولا أبالغ إن قلت: إنها افتقدت النقد الهادف والمتعقل والبناء، فلا هي خدمت قضية، ولا أسدت نصيحة، وتجدها في نهاية المطاف، عبارة عن صراعات أطياف متباينة في رؤاها تجاه هذا الجهاز العظيم.
ومع ذلك، فإن كثيراً ما تطلب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وسائل الإعلام - عموماً - عند الحديث عن أخطاء الهيئة، أو أعضائها أن يكون ذلك بحيادية وتجرد ومصداقية وإنصاف، من أجل الرقي والسمو، وأهم من ذلك كله: التثبت قبل نشر الأخبار.
المشكلة في نشر مثل هذه الحالات، أن الحالة تعم. وهذا من أخطر ما يحدث في قضايا نشر الأحداث، بسبب التهور والتسرع، وإعطاء الخبر أكبر من حجمه من خلال معلومة مضللة، فتكون نتيجة ذلك آثار سلبية. وقد لا يفكر كثير من هؤلاء في مضمون الإشاعة، فتراه مستسلما لها، ومنقاداً إليها وكأنها من المسلمات. مع أنه ليس كل ما يسمع يقال، ولا كل ما يعلم يصلح للنشر، فقد يكون الخبر صحيحاً، ولكن المصلحة تقتضي عدم نشره. وقديماً قيل: إن الإشاعة من أخطر الأسلحة الفتاكة للأشخاص والمجتمعات. ولها قدرة عجيبة في تفتيت الصف، فالناس أمامها بين مصدق ومكذب. وفي كثير من الأحيان تلحق الإشاعة الظلم ببعض الناس.
إن الحذر من جهالة المصدر، واليقظة في تلقي الأخبار والتحقق منها، أمران مطلوبان. ولذا كان من خلق سليمان - عليه السلام - عندما جاءه الهدهد بخبر، أنه قال له: (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ). فالتثبت هو الأصل الذي يبنى عليه الخبر، وهو دليل الكياسة والفطنة وكمال العقل. كما أن التثبت هو منهج الإسلام الدقيق، ودعوة القرآن الكريم. ألم يقل ربنا - جل في علاه - في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). وعلى قراءة أخرى: (يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا...).
أذكر أن - الدكتور - عبدالله السهلي أشار إلى نتائج دراسة علمية ميدانية، قامت بها جهة علمية محايدة، لدراسة جهود الهيئة، وصورتها لدى عينة ممثلة للمجتمع، والدراسة مدعمة بلغة الأرقام والإحصاءات واستنطاق أفراد العينة، وكما تعلمون أن الأرقام لغة كمية لا تحابي أحداً. هذه الدراسة، هي: (دراسة وقوعات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دراسة ميدانية لأنواعها، حجمها، أسبابها، الآثار المترتبة عليها، وأساليب الحد منها)، جاء فيها:
1 - دلت الدراسة على أن نسبة (90 في المائة) وصفوا تعامل أعضاء الهيئة بالعادي، أو اللطيف.
2 - أن الاتجاه العام في المجتمع السعودي نحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كمبدأ وشعيرة وجهاز وأعضاء إيجابي، وبدرجة عالية.
3 - أن اتجاه مرتكبي الوقوعات نحو الهيئة إيجابي وقوي، إلا أنه يختلف باختلاف نوع الوقوعة، حيث يرتفع في مرتكبي وقوعات العقيدة والعبادة والمطبوعات، بينما يقل هذا الاتجاه في مرتكبي وقوعات المخدرات وأصحاب المحال التجارية.
4 - أن الاتجاه العام نحو أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إيجابي.
5 - دلت الدراسة على أن (85 في المائة) من أعضاء الهيئة حصلوا على دورات تطويرية، وأن (15 في المائة) منهم يجيدون لغة أخرى غير العربية، وأن (63 في المائة) منهم يجيدون التعامل مع الحاسب الآلي.
أما دراسة المشكلات الميدانية، دراسة ميدانية تقويمية لمشكلات العمل في مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المنفذة عام 1429هـ، فقد قاست الصورة الذهنية للجهاز في المجتمع، وخرجت بأن درجة تحقق مؤشرات الصورة الذهنية عن الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إيجابي لدى أفراد العينة من العاملين في الجهات ذات العلاقة بعمل الهيئة؛ حيث بلغت نسبة مئوية مقدارها (74 في المائة)؛ وهذا يوضح أن الصورة الذهنية عن الهيئة لدى أفراد العينة، تتسم بالإيجابية بدرجة جيدة.
وقد جاء: أن الهيئة مؤسسة حكومية، تقوم بوظيفة مهمة في المجتمع بالمرتبة الأولى، بنسبة مئوية مقدارها (92 في المائة).
أما ما يتعلق بالمسؤولين، فقد كانت أداة الدراسة المقابلات الحرة لعدد من مسؤولي الدولة في جميع مناطق المملكة، على رأسهم الأمير نايف بن عبد العزيز، والأمير سلمان بن عبد العزيز، وغيرهما من المسؤولين، ولمس الفريق من خلال هذه المقابلات الثناء على الهيئة، وبيان مكانتها المهمة، التي لا يجادل فيها أحد، وكذلك أثرها في حفظ الأمن في المجتمع، وذكروا بعض الإيجابيات، منها:
1 - الهيئة من أقل الأجهزة الحكومية أخطاء، وما ينسب للهيئة من أخطاء فإنما هي مضخمة.
2 - للهيئة جهود جبارة في مكافحة الجريمة.
3 - رجل الهيئة يبذل جهداً كبيراً في عمله؛ فهو يتميز بأنه لا ينظر في الوقت، بخلاف غيره.
4 - أفاد بعض المسؤولين: أن رجال الهيئة متمكنون من عملهم، فمحاضرهم تأتي واضحة، ويتميز عملهم بقوة الضبط والمسوغات والقرائن والتعابير اللغوية الدقيقة.
بقي أن أقول: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة من شعائر الإسلام، وأصل من أصول الدين، تتزايد الحاجة إليه مع تغير حركة المجتمع، وتطور وسائل الحياة، وتسارع إيقاع خطوات العصر. ولذا فإن الحاجة إلى النقد البناء المبني على أصول شرعية وعقلية، والمتفق مع ظروف الزمان والمكان مطالب مهمة ولا شك. فكما أن الجوانب السلبية تحتاج إلى كشف وبيان، فكذلك الجوانب الإيجابية تحتاج إلى كشف وبيان. وألا نكتفي بإبراز المشاكل، بل نبرز الحلول والتوجيهات من أجل حاضر الوطن ومستقبله وعزه ورفعته.
drsasq@gmail.com