ما الذي يجعل الآباء يقفون باصطفاف أمام وكالة وزارة التعليم العالي لشئون الابتعاث بالرياض. ويحرصون على استكمال إجراءات ابتعاث أبنائهم وبناتهم الأب والزوج والقريب من الدرجة الأولى يحملون الوثائق والفيزا ويسابقون الزمن لقبول أبنائهم في البعثات إلى أمريكا وأوروبا وأستراليا ودول آسيا.. بلا شك أنها ظاهرة وتحتاج إلى دراسة اجتماعية من خلال التحولات في ثقافة المجتمع الذي وصف فيما مضى إبان أزمة 11 سبتمبر بأوصاف قاسية عندما حاصرتنا أمريكا وأوربا حصاراً إعلامياً وثقافياً وكأننا نحن المسؤولون عن التشدد العالمي وأن بيئتنا مغلقة على نفسها وجر ذلك إلى سيل من الاتهامات تبدأ ولا تنتهي بمعاداة الآخر والعدوانية تجاه الغرب... هل هذه هي حقيقة مجتمعنا الذي يصطف أمام وكالة الابتعاث.. وبالمقابل ما هو حجم ونوع الحملة الإعلامية التي تعرضنا لها سواء كانت من الإعلام الغربي أو التشويه المضاعف من الإعلام اليهودي والمتعاطفين معه حتى وضعتنا في دائرة الاتهام.. لكن الحقيقة المسكوت عنها أن الغرب قبل 11 سبتمبر كان يحجب بعض التخصصات عن الطلاب العرب مثل: الطب وبعض تخصصات الهندسة والعلوم والرياضيات من منطلقات أمنية وحجب علوم التكنولوجيا إجمالاً بحجة أن هذه التخصصات مقاعدها قليلة ومخصصة لمواطنيهم. فهل تغيرت السياسات؟ رغم أن التهم مازالت متبادلة بين أوروبا والعرب حتى أنه تم اختراع كليات في الجامعات الغربية تهتم بالدراسات الشرقية وتوجيه الطلاب إليها وإلى دراسة ثقافة العلم وطرق تدريسه وليس العلم بحد ذاته لأسباب معروفة ولكنها غير معلنة.. ولكن الابتعاث سيبقى الخيار الأوحد. حرص الأهالي على إنجاز إجراءات أبنائهم هو دليل وعي حقيقي لدى المجتمع بأهمية التعليم في جامعات مرموقة وقوية علمياً والتحصل على لغة علمية مثل اللغة الإنجليزية للبحث العلمي والتخاطب.. هذا المؤشر من الأهالي يجب رصده لأن الابتعاث السابق كان الطالب يبادر بنفسه وقد يكون ابتعاثه برغبة منه شخصياً ولا تتوافق مع رغبة والديه.. وفي كل الأحوال يجب استثمار هذا التوجه بأن تتوسع وزارة المالية في تخصيص مبالغ مالية للدفع بالمزيد من الطلاب بهذه الفترة للاستفادة من الأجواء الإيجابية والإقبال على الابتعاث وكذلك لاستثمار الفائض المالي في مشروعات بناء الإنسان بدلاً من الإحجام والتقليص تحت مبرر الترشيد..
الابتعاث أصبح خياراً إستراتيجياً لإعادة بناء بلادنا وفقاً للتوجه الدولي الحديث الذي يقوم على أساس علمي وتقني لأننا إذا تخلينا عن إستراتيجية الابتعاث سنبقى طويلاً في مربع الاستهلاك والعيش على الآخرين، كما أن هناك مشروعات تعليمية واقتصادية وصناعية وإدارية وطبية لن تصل إلى النقلة النوعية إلا إذا تمت تغذيتها بمبتعثين اطلعوا على آخر تقنيات تلك العلوم ومارسوها نظرياً على مقاعد الدراسة بالجامعات أو حصلوا على تدريب ميداني ضمن متطلبات الجامعة أو عملوا وفق برامج تدريبية هناك.