هنا.. وحينما نقول: «هنا» فإننا نعني مجتمعنا، ولا مانع أيضاً من أن نشير إلى من حولنا من مجتمعات قريبة منا، لها ذات التكوين، وتحمل نفس المشاعر في أي مجال من مجالات وعينا وثقافتنا وتكويننا الحضاري، فهذه الظرفية «هنا» يعتورها نشاز أو عدم تناغم بين الناس وطفولتهم، أو حتى أسلافهم، أو ماضيهم، إلا أن ما يميزنا حقاً هو أن عالم «الطفولة» لدينا في الغالب الأعم مسحوق، أو مهمش، وقد تكون هذه الطفولة البريئة معذبة في ظروف معينة.
أما لماذا تكون قضايا طفولتنا وهمومها مسحوقة منذ ذلك الزمن وحتى الآن؟! فإننا لا نزال -للأسف- نرمي باللائمة على الأسلاف الذين نجزم دائماً بأنهم لم يحسنوا إدارة أزمة الطفولة رغم صعوبتها وتعقيدها، نظراً لأنهم جهدوا كثيراً في تحصين الكبار من أجل كسب القوت، حتى وإن تضور الصغار والنساء جوعاً، لشح تلك الموارد، وقلة فرص العيش، وهذا ما تم توارثه، أو ربما بات هماً ثقافياً نتداوله حتى اليوم.
أما الطفولة المهمشة أو المعذبة، فإنها كما تقول العرب: (حدث ولا حرج)، لأن هنا وهناك من يتاجر بقضية الطفولة، ويزرع في طريقها المعوقات، ليس من أجل العداء أو من أجل الإيذاء وحسب، إنما من أجل التكسب بأمر أي إعاقة، أو مصيبة تحل على هذه الفئة البسيطة من المجتمع.
الطفل وعبر مساحة كبيرة من واقعنا يتم رسمه على اللوحات مع الحمائم والورود والغيوم، وكأننا أنجزنا كل واجباتنا نحوه، وحللنا كل قضايانا وقضاياه، ولم يبق إلا أن نحلق معه في الخيال الملون الذي تتركه بعض الرسومات الزاهية والأغاني المصورة مع الفراشات، والورود والمروج.
كما أن هناك من هو على النقيض، إذ نراه يمعن في أذى الطفولة، وابتزاز الطفل من خلال إشغاله بقضايا الكسب والبحث عن الرزق، كأن يكون عاملاً بأجر قليل، دون أن يكون هناك رفق به وبطفولته الغضة، فحينما تمارس عليه السخرة والغلظة حينها ستُسْحَل طفولته، وستُسْحَق ذاكرته، ليتبدد كل حلم جميل قد تطبق عليه ذاكرته البسيطة.
الغريب أو العجيب في أمر الطفولة لدينا أنه ارتبط ارتباطاً وثيقاً بمجتمع المعاق أو القاصر أو اليتيم، ليصبح الطفل جراء هذا التشاغل مهملاً، وربما ينسى الجميع أولويات حقوقه التي تتمثل عادة في السعي الجاد للبحث له عن علاج وغذاء ومقعد للدراسة.
نحن هنا نؤكد على أهمية رعاية المعاق وذوي الاحتياجات الخاصة، لكن من خلال دمجهم بمن سواهم من أصحاء، لتكون الصورة قدر الإمكان تكاملية، من أجل أن يحقق الطفل السليم احتياجاته وواجباته ويأخذ حقوقه، ويكون لصاحب المعاناة أيضاً فرصة أن يندمج مع من حوله من أطفال وناشئة، لعلها تكتمل في هذا السياق الإنساني ملامح الرؤية الاجتماعية التكافلية المهمة في حياتنا معاً.
hrbda2000@hotmail.com