كتبتُ منذ أكثر من عقد من الزمان أهجو الظروف التي أساءت إلى مسلمي هذا العصر بربطهم بالإرهاب، فعلا وفاعلا ونتائج، في الوقت الذي يُسلِّم فيه كل عقلاء العالم بأن الوزر لا يزر إلا فاعله من السفهاء، ومن ثم لا يتعداه إلى الأبرياء في أي زمان ومكان!
اليوم استنفر قلق الخاطر ومداد القلم للحديث مجددا عن هذا الموضوع، بعد أن سمعت وقرأت مقولات تتكرر ربطا بين الإسلام والإرهاب، وفي الوقت نفسه يؤلمني أن السفهاء من المسلمين زادوا هذه الأيام من وتيرة عبثهم، تكفيرا وتدميرا وقتلا تحت شعارات ومسوغات متباينة؛ ما يسهم في تصعيد الحملات ضد الإسلام والمسلمين عامة، وأخذ البريء بجرم المنحرف!
وقد قلتُ يومئذ، وأقولُ اليوم: إنَّ الإنسان المسلم، كغيره ضمن الأسرة الدولية، يتعرَّض لفتنة الحُكْم عليه حكما عشوائيا جماعيا لا استثناء فيه، يسيِّره إما الجهل بالإسلام أو الكره المبيَّت للمسلمين، أو كلاهما معا! ويُبنى هذا الحُكْم غالبا على سلوكيات بعض المسلمين.. حتى لقد اقترنت هوية المسلم في بعض الأمصار، شرقية وغربية، بنعوت غير حميدة، مثل الإرهاب وسفك الدماء، ناهيك بالرغبة في التقوقع حضاريا داخل أسوار التاريخ، وهجر وقائع الحاضر وأحلام المستقبل زهدا فيها أو تسفيها لها!
وحديثا، باتت قضية (الإرهاب الإسلامي) الشغل الشاغل لكثير من السياسيين والمراقبين والمحللين، ناهيك بالأفراد العاديين في معظم أقطار القارتين الأوروبية والأمريكية، بل وظهر في بعض أوساطها الأكاديمية مَنْ يحذِّر ويُنْذر ضد خطر الصدام الحضاري مع المسلمين في أرجاء الأرض، وعلى رأس أولئك البروفيسور الشهير هننجتون، عبر أطروحته الشهيرة (صدام الحضارات)، التي صوَّر فيها الإسلام وأتباعه بالعدو الجديد للحضارة الغربية ومنجزاتها، بعد سقوط (الإمبراطورية) الماركسية، ورموزها الكبيرة والصغيرة سواء!
وتعليقا على ما سبق أقول: إنَّ المطلوب منَّا معشر المسلمين الآن وكل آن، أن نذود عن حياض عقيدتنا وكرامتنا وتاريخنا بالإنجاز الشاق والمبدع، نفعا وبقاء، وليس ب(البكائيات) ولا (العنتريات)؛ فالعمل الصالح لخير الدين والدنيا، والارتقاء بأحوال المسلمين حضاريا وماديا وثقافيا، واتباع منهج (الوسطية) العاقلة، هو أبلغ رسالة، وأقوى وسيلة لإخراس الألسن، وإيقاظ القلوب من سبات الباطل!
وقفة:
لم يكن أدب السير الذاتية زادا لي يوما ولا متاعا، وما كنت أفكِّر يوما، ولو على بساط الحلم، أنني سأكتب نصا يمكن أن يوصف ب(السيرة الذاتية)، لكنني ألفيت نفسي ذات مساء من صيف عام 1425ه أبدأ كتابة نص يتحدث عن بدايات حياتي؛ لأن فيها ما يستحق أن يروى، وجاءت هذه الولادة (متعثرة) بادئ الأمر؛ لأنني لم أكن مقتنعا بقدرتي على خوض تجربة الغوص في مجاهل الذاكرة بحثا عن مادة تستحق التدوين، وكان هناك أمر آخر عانيت منه بادئ الأمر أيضا، وهو أن (النبش) في رفات الماضي ليس أمرا محبَّبا إلى النفس؛ لأن فيه جروحا لم تندمل، وأوجاعا لم يعفها الزمان ولن يعفَّ عنها!