يشعر المراقب السياسي بالاستهداف لعالمنا الإسلامي وتحويله ساحة ساخنة بكل النزاعات الإقليمية والدولية ولتبقى أرض هذا المحيط المسلم لتروى دوماً دون رحمة بالدم والبارود وبكل محرمات الأسلحة الغازية وليبقى القرار الإسلامي لسبع وخمسين دولة ممزقاً وعاجزاً عن تضميد جراحه وإخماد الحرائق الآكلة لإنسانه ونباته وثرواته الطبيعية.وإدراكاً بأهمية آليات عرض الحلول وترسية الأسس الإنسانية للصوت الإسلامي الموحد ليؤثر في عالمنا المعاصر، بزغ نداء الخير الذي أطلقه شهيد القدس الفيصل -طيب الله ثراه- ليعلن مفاهيم قوة الإرادة الإسلامية ولتشكل كياناً واسعاً يوحد الرأي والقرار ويضع الحلول الناجحة لكل قضايانا المصيرية بإعلان الآلية التنظيمية الكبرى في عام 1969 بإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي وحددت جدة لتكون مقراً لها وأصدرت قمتها الإسلامية الأولى قراراتها الرادعة للعدو الصهيوني وتحذيره من العبث بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة وأن محاولة حرقهما من مجرمي العصابة الصهيونية سيصطدم بصخرة وحدة الأمة الإسلامية التي ستقف صفاً واحداً للدفاع عن كرامة المسلمين وشرفهم ومقدساتهم وتم تشكيل لجنة القدس واختيار المغرب مقراً لها. والعالم الإسلامي ولله الحمد واسع بأراضي أوطانه ونفوسه أكثر من نصف العالم بأسره ويملك من الثروات الطبيعية التي منَّ الله سبحانه لدوله لتمنحه قوة اقتصادية وسياسية، ومع هذه النعم العديدة تكدست ملفات قضايانا المصيرية في دهاليز المنظمات الدولية دون حلٍ جذري لمشاكلنا التي (لو) توحد قرارنا الإسلامي لذابت أمامه كل هذه الملفات واستطعنا بكل ثقة وبصوتنا الموحد الاستغناء عن كل الجهود الأجنبية الغربية عن منطقتنا الإسلامية والتي تتاجر بقضايانا لمنافعها الذاتية!
ففي الصين يُضطهد المسلمون ويحرمون من كل حقوقهم الإنسانية والمدنية ويعاملون بقسوة الإكراه السياسي ووضعهم بالمرتبة الثانية في حقوق المواطنة، وفي جزر الفلبين حُصروا في جنوبه ليعيشوا في غاباته ويتم صيد كل من يعترض على عدم المساواة في حقوق المواطنة بين سكانه وحرمان أهل مندناو والمسلمين من ممارسة تعاليم ومشاعر دينهم الإسلامي. والهند تكتم أنفاس أهل كشمير وتحرمهم ممارسة حقهم في تقرير المصير وكل صوت إسلامي يعلن اعتراضه يقابل بالتسلط والنار لإخماد كل معارض للوجود الهندي في منطقة كشمير الإسلامية وتضخم قضيتنا المصيرية الكبرى فلسطين حتى انقسم أهلها لطائفتين متحاربتين!
ومن الدول الإسلامية حديثة الاستقلال الدولة الصغيرة كوسوفو التي لا يتعدى عدد سكانها مليوني نسمة يشكل المسلمون فيها نسبة 92% أما الصرب فهم أقلية لا يتعدى وجودهم عن 5% من عدد سكان كوسوفو وتسمى بالأرض الحبيسة لبعدها عن أي منفذ بحري!
دخل الإسلام كوسوفو عام 1389م بفتحها من قِبل السلطان العثماني مراد الأول وبقيت جزءاً من الخلافة العثمانية حتى عام 1912م وبانحسار السلطة العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى ضمت كوسوفو إلى الاتحاد اليوغسلافي عام 1946م وغير اسمها الإسلامي (قوصوه) وأصبحت إقليم كوسوفو ضمن إطار اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية. ومع تفكك هذا الاتحاد عام 1989م وانفصال كرواتيا والبوسنة والهرسك حاول حزب الاتحاد الديمقراطي في كوسوفو برئاسة إبراهيم روغوفا وباستخدام أسلوب المقاومة السلمية بالمطالبة بالانفصال عن صربيا والدعوة إلى استفتاء عام لإقرار مصير كوسوفو وإقامة دولة مستقلة لشعبها المسلم وقوبلت هذه المطالب العادلة بهجمة حاقدة من الجيش الصربي وارتكب جرائم في الإبادة البشرية وترحيل أكثر من مئتي ألف كوسوفي من أصل تركي وإجبارهم على الالتجاء لتركيا وألبانيا!
وتحرك المجتمع الدولي بتحريك قوات من حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإجبار سلوبودان ميلوسوفيتش بإعلان انسحاب الجيش الصربي الغازي من كوسوفو ووضعه تحت الحماية الدولية وكلف الخبير الدولي (مارتي أهتيساري) بكتابة دستورها الجديد بدعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية!
وفي عام 2008م أعلن المجلس التأسيسي الكوسوفي قراره التاريخي بإعلان الجمهورية وانتخاب فاديمير سيديو رئيساً لها والسيد هاشم تاتشي رئيساً للوزراء وسميت مدينة برشتينا عاصمة للدولة وعممت اللغة الألبانية والتركية كلغتين رسميتين لكوسوفو. وأتمنى من أمانة المؤتمر الإسلامي تشكيل هيئة من الدول الإسلامية لتأهيل جمهورية كوسوفو دولياً وضمان تأييد (97) صوتاً في الأمم المتحدة لإشغالها مقعداً خاصاً بها ولتشارك المجتمع الدولي كدولة مستقلة.وقد أولت قيادتنا العليا اهتماماً خاصاً بقضية المسلمين في كوسوفو ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله- الدبلوماسية السعودية بإعلان الاعتراف الرسمي السعودي بجمهورية كوسوفو وتبادل التمثيل السياسي معها وتوثيق العلاقة الودية بين الدولتين والشعبين الشقيقين. وأتمنى أن تحذو دول العالم الإسلامي الأخرى حذو المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين بإعلان اعترافها باستقلال جمهورية كوسوفو ودعم طلبها في الانضمام للمجتمع الدولي وكسبها عضوية هيئة الأمم المتحدة، وبذلك نجد تضامننا الإسلامي بتوحيد القرار وإعلان الصوت الإسلامي الواحد مهما اختلفت لغاتنا!
محلل إعلامي عضو جمعية الاقتصاد السعودي وعضو هيئة الصحفيين السعوديين