في أرض المعركة وساحة القتال الشرسة، كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقاتل مشركاً صلب المراس، وقد طال بينهما النزال. وما كان ليعجز المجاهد الباسل ذلك المقاتل الشرس حيث تمكَّن علي -رضي الله عنه- من خصمه وأسقطه أرضا تنزف جراحه، ووقف على رأسه متعجلا قتله وسيفه يلوح في الهواء يُوشك أن يهوي به. فما كان من هذا المُشرِك إلا أن بَصَقَ في وجه علي -كرم الله وجهه- فلم يأخذ الغضب من الصحابي نحو خصمه الكافر مأخذا ! بل أشاح بوجهه الكريم عنه ومسحه بطرف كمه وتركه وانصرف ولم يقتله، وطلب من أحد الصحابة -رضوان الله عليه- قتله إن لم يعلن استسلامه أو يشهر إسلامه. وحين سأله الصحابي، قال: لقد كنت أقاتله لله، فلما بَصَقَ في وجهي تركته خشية الانتقام لنفسي!
يذكر أحد موظفي شركة أرامكو حصول مشادَّة كلامية مع رئيسه المباشر في العمل - الأمريكي الجنسية - في مطعم الشركة حول إحدى الطاولات، ما لبثت أن تحوّلت تلك المشادّة إلى اشتباك بالأيدي، انتهت بتدخل أهل الخير الذين قاموا بفك الاشتباك. وذهب كل واحد لتناول طعامه وصدره يغلي حنقا، وقلبه يطيش حقدا دفينا على الآخر؛ حيث لم يحصل أحدهما على حقه الذي يعتقد بأحقيته. وبقيت الكراهية والغل في قلبيهما برغم أنهما في دائرة واحدة، بل أحدهما الرئيس المباشر الذي يخشى الآخر أن يمتد حقده إلى فصله من عمله، فقد كانت فكرة المؤامرة تعشش في رأسه برغم علمه أنه موظف مجتهد ومثابر في أداء عمله ويحقق نجاحا ملحوظا، إلا أنه لازال مرتابا من هذا الأمريكي ذي الشاربين الضخمين والنظارة السميكة.
وحانت الفرصة للرئيس بالانتقام وتصفية الحساب القديم من مرؤوسه الذي لم يضع له مكانة ولم يحفظ له قدرا في حادثة المطعم إياها؛ فالتقرير السنوي هو الذي سيضمن له استرداد كرامته التي أهدرت على بلاط المطعم.
وبالفعل، تم تقييم الموظفين السنوي وخرج تقرير الأداء الوظيفي للموظف السعودي الذي كان خائفا متوجسا بالطرد من عمله. وكانت المفاجأة أن التقرير حمل درجة ممتاز مع التوصية بزيادة مرتبه!
تعجب الموظفون جميعا، أما صاحبنا فعقدت الدهشة لسانه وشريط حادثة المطعم يدور في مخيلته، ولم يصدق زملاؤه الأمر، واعتقدوا بوجود صفقة في الخفاء، ولكنهم كانوا طيلة الفترة السابقة يرون مظاهر الجفاء بين الطرفين، وأعراض الكراهية بينهما واضحة لا تقبل التشكيك.
ولأن الموظف الوطني لم يعتد على هذا الأسلوب فلم تكن لديه إجابة شافية، إلا أن الموظفين وجدوها لدى رئيسهم صاحب الشاربين الغليظين حيث قال: أنا بالفعل أكرهه، ولا زلت أكرهه، ولكنه في العمل ممتاز. قالها بهذا اللفظ!
وأرجو أن لا يأتي أحد من آخر الصف ليقول هذا تمجيد للأجانب أو الكفار! فلست أعلم: هل ذلك الأمريكي مسلم أم ذو ديانة أخرى؟ ولكنني أدرك تماما أنه بذلك التصرف يعمل وفق الأمانة التي أوكلت له وارتضاها فهو يعمل بمقتضاها. والخلاف أو المخالفة الشخصية لا تعني المقت والإبعاد والفصل التعسفي أو كتابة تقارير سيئة تحمل الإدانة والتشكيك في كفاءة الموظف ومدى تحمله المسؤولية والوقوف في طريق مستقبله حتى لا يستطيع الحصول على ما يستحقه من تقدير وترقية!
وما يؤسف له أن بعض تقارير الأداء الوظيفي أصبحت أحد أساليب الانتقام الشخصي بطريقة نظامية. ولن نرتقي طالما هناك فقرة: (قيام الموظف بكل ما يتم تكليفه وما يريده المدير) حتى لو كانت إحضار الخضار إلى بيت المدير، وتوصيل أبنائه لمدارسهم!
ترى: كم مديراً أعرض عن تصرفات موظفيه وترك حقه الشخصي ولم يثأر؛ مستلهما مقولة علي رضي الله عنه (تركته خشية الانتقام لنفسي)؟
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com