في ظل التصعيد «الغربي» في عمومه، و»الأمريكي» في خصوصه.. تجاه ملف إيران النووي، بعد أن بلغ الجدل فيه أشده.. حول تخصيب «اليورانيوم» المنتج للوقود النووي، الذي يمكن استخدامه سلمياً بقدر ما يمكن استخدامه عسكرياً.. كما يقول الخبراء، وفي ظل هذه التحركات
العسكرية التي أخذت تشهدها مياه الخليج.. بوصول حاملات الصواريخ والطائرات إلى قلب مياهه، وفي مواجهة السواحل الإيرانية، وفي ظل ردود الفعل الإيرانية الخشنة والناعمة، والتصريحات النارية التي أخذ يطلقها حزب الله من الجنوب اللبناني، فإن درجة التأزم بين الأطراف.. التي قادها فقدان الثقة وعدم تصديق بعضها البعض.. قد تدفع الأمور برمتها إلى مواجهة عسكرية، وهو ما يعني - لا قدر الله - أن الخليج ودوله وشعوبه يقفون اليوم أمام نذر حرب رابعة وشيكة.. طرفاها هذه المرة: الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.. من جانب، وإيران وحزب الله اللبناني.. على الجانب الآخر، ومسرح عملياتها.. هو الخليج ومدنه، وضحاياها.. هم أبناؤه وأطفاله وشيوخه ونساؤه، وليسوا أبناء.. أي من الولايات الأمريكية الواحدة والخمسين، أو أي من أبناء إسرائيل نفسها.. في ظل موازين القوى التي نعرفها، وهو ما يجعل أبناء الخليج وأهله.. يقولون: كفى.. حرباً!! إذ تكفينا الحروب الثلاث السابقة التي ملأت العقود الثلاث الماضية..؟
لكن صيحات الضجر الخليجية هذه من الحرب وويلاتها.. لا تفي، ولا تكفي، ولا تقدم أو تؤخر، وأن على أبناء الخليج ومؤسساته ومراكزه ورجالاته المخلصين.. البحث عن آليات و»وسائل» عملية يمكن بها نزع فتيل الأزمة، بعد أن وصل أطرافها المباشرين.. إلى طريق مسدود.
وأحسب أن أول ما يتبادر إلى الأذهان في هذا الصدد.. هو السؤال عن منظمة المؤتمر الإسلامي ودورها؟! وغيابها العفوي أو المقصود عن هذا «الملف»..؟! الذي خاضت فيه معظم دول العالم.. من أبعد الأبعدين عن المنطقة، بينما تحاشاه أقرب المقربين منها.. من دول المنظمة الأعضاء..!!
فأين الدول الإسلامية الكبرى ك»تركيا» أو «إندونيسيا».. أو حتى «ماليزيا» مثلاً من طلب الدعوة إلى قمة إسلامية (عاجلة)، لبحث الملف الإيراني النووي.. وبحضور المراقب الأمريكي الجديد - نفسه - لدى منظمة المؤتمر الإسلامي: (رشاد حسين).. على أسس (المصالح والمنافع المتبادلة، وليس على أسس المذاهب والعقائد أو الأيديولوجيات)، فالأمريكيون بداية.. واقعيون إلى أبعد الحدود، و»براجماتيون» عند الضرورة ومقعد الصين الوطنية الدائم في مجلس الأمن الذي سحب منها ومنح للصين الشعبية.. خير مثال، وهم في النهاية.. أصحاب مدرسة: ل «كل حرب جائرة»!!
ف «المخاوف» التي تبديها الولايات المتحدة مشكورة على الخليج ودوله «الصديقة» لها والمنسجمة تماماً مع تاريخ علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية معها.. من الملف النووي الإيراني ومخاطره عليها، إذا ما تحول في يد «طهران» إلى سلاح نووي بيدها.. تأمر وتنهي به من تشاء.. تظل - رغم فداحة هذا السيناريو - عنكبوتية واهية أمام مخاوف الولايات المتحدة الحقيقية على «الشريك» الاستراتيجي (إسرائيل)، الذي ترفض إيران الاعتراف به جملة وتفصيلاً، وتشكك في دعاواه عن المحرقة.. بل وتهدد بقاءها على الكرة الأرضية ب «صواريخها» التي يبلغ مداها أكثر من ألفي كيلومتر وليس ب «النووي» الإيراني الذي لا يزال في علم الغيب، والذي تُقسم طهران بأنه «سلمي»، وتؤيدها في ذلك «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في فيينا.. بينما تُقسم الولايات المتحدة نيابة عن العالم بأنه «عسكري» يعد لإنتاج قنبلة نووية في النهاية!!
إن مجيء هيلاري كلينتون إلى دول الخليج وذهاب «نتنياهو» في ذات الوقت إلى «روسيا».. يكشف مخاوف الولايات المتحدة من «النووي» الإيراني وعلى من هي «حقيقة»: أهي على «الشريك».. أم على «الصديق» أو الأصدقاء..؟!
على أن «الماضي» لم يكن مغايراً للحاضر.. ف «إيران» عدوة اليوم ل «أمريكا» كانت في عهد الشاه.. صديقة «الأمس» لها، ولذلك.. كانت تتمتع بلقب شرطي الخليج الأمريكي المدلل والمحبوب.. الآمر الناهي، وكان سبب حصولها على هذه المكانة الأمريكية الرفيعة.. هو أنها فتحت أراضيها لتدريب القوات البرية الإسرائيلية.. وسمائها لتدريب القوات الجوية الإسرائيلية.. وخزانات نفطها لتزويد المقاتلات والدبابات الإسرائيلية لضرب مصر فيما عرف بحرب الأيام الستة من عام 1967م (!!)؛ وهكذا كان.. ويكون لان محك «صداقة» الولايات المتحدة و»عداوتها» مع أي دولة من دول الشرق الأوسط.. بل والعالم إنما يعتمد على مسافة قربها من «إسرائيل» وبعدها عنها..؟!
لقد أحسن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في محادثات الساعات الأربع مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في «روضة خريم».. عندما وصل معها إلى الاتفاق حول (جهود مجموعة الخمسة زائد واحد لحل الأزمة سلمياً وعبر الحوار، ودعمهما استمرار هذه الجهود، مع دعوة إيران إلى الاستجابة لها لإزالة الشكوك حيال برنامجها.. خاصة أن هذه الجهود تضمن حق إيران ودول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة)..!!
وعلى أي حال.. كانت فكرة المخاوف الأمريكية على منظومة الدول الخليجية دائمة ومستمرة وبامتداد سنوات النصف الثاني من القرن العشرين.. وإلى يومنا هذا، فقد كانت تخاف عليها بداية من «المد الشيوعي»، ثم من «المد القومي»، ثم من «المد الثوري» الإيراني.. ثم من جيش المليون عراقي الذين يأتمرون بكلمة من صدام.. والآن من «الملف النووي» الإيراني السلمي، إلا أن المتتبع السياسي والتاريخي لهذه «المخاوف».. لا يجد لها أثراً على أرض الواقع إلا في حالة «صدام» وجيشه، التي يعرف أسبابها الحقيقية أصحاب فكرة المخاوف أنفسهم قبل غيرهم، لتبقى كلمة ذلك الاقتصادي الحصيف.. تحمل أدق شرح وتفسير لكلمة «المخاوف» هذه، عندما قال عنها.. بأنها «أروع فكرة تسويقية.. للاقتصاد الأمريكي الضخم في أغنى الأسواق»..!!
إن فكرة الدعوة إلى قمة إسلامية عاجلة - كهذه التي أتمناها وأدعو إليها - لبحث الملف النووي الإيراني من زاوية «المصالح» و»المنافع» المتبادلة.. ولا غيرها، والتي قد تبدو ل «المستخف» بالعالم الإسلامي ودوله وقوته الكامنة.. «ساذجة» وربما «كسيحة»، إلا أنها الأصوب في تقديري.. على الطريق المسدودة التي بلغها أطراف النزاع حول «الملف»؟ إذا أحسن اختيار مكان انعقادها.. وتقدم بطلب «الدعوة» لها إحدى الدول الإسلامية الكبرى، ذات العلاقات المتميزة والمؤثرة، وذات القبول عند معظم أطراف الملف والأساسيين منهم في المقدمة (إيران وأمريكا وإسرائيل).. ك»تركيا» مثلاً.
ف «للمسلمين» عامة مطالبهم في الاستقلال والحرية وندية التعامل والاحترام لأنظمتهم التي ارتضوها، ول «إيران» إلى جانب ذلك مطالبها في التطبيع مع الدول الغربية.. على أسس متساوية، وفي بناء قوة نووية سلمية تحقق بها مطالبها في التقدم العلمي والرخاء الإنساني، وللمسلمين العرب منهم.. مطالبهم المضافة في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في الضفة والقطاع والقدس الشرقية، وإقامة الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافياً في حدود آمنة معترف بها، وقد تقدموا بكل ذلك قبل ثمانية أعوام.. مقابل الاعتراف والتطبيع السياسي والاقتصادي والسياحي مع إسرائيل.. ولم يعرهم الطرفان الأمريكي والإسرائيلي أدنى اهتمام، ول «أمريكا» وإسرائيل.. مطلب رئيسي هو سلامة إسرائيل وأمن مواطنيها.. من الاحتمال النووي الإيراني، ومن صواريخ «حزب الله».. بل ومن صواريخ «القسام» على تواضعها أو بؤسها الشديد. فلتكن هذه القمة.. قمة «المقايضات» الواضحة والصريحة، أو قمة «المقاصات».. بلغة رجال الاقتصاد والبنوك!!
إنني لا أتحدث عن أحد ولست مفوضاً من قبل أحد.. لكنني أتحدث بعروبتي وإسلامي وآمالي في تجنيب المنطقة مزيداً من الحروب والدمار والخراب.. بما يمكن أبناؤها من الانصراف لبناء حاضرهم ومستقبلهم.
إن قمة كهذه.. التي أتمناها.. بطلب من تركيا.. وفي مدينة مدنه «اسطنبول».. إن صدقت نوايا «حضورها»، سيكون لها من النتائج.. ربما أكبر من كل تلك التي تم تحقيقها خلال ثلاثة أربع العقد الحالي، فإن لم يتحقق شيء فوري على أرض الواقع.. وانصرف حضورها كما قدموا إليها ودون إعلان عن أي اتفاق بينهم، فإن فترة الهدوء التي ستتبع لقاء كهذا.. ستكون هي أفضل نتائجه لمراجعة كل طرف ل «حساباته» وأرباحه التي لم تتحقق، وخسائره.. التي ربما تتضاعف.