يروى أن لرجل أعمال ياباني طفلاً اسمه «سوزوكي» ألحقه والده بمدرسة أمريكية. في اليوم الأول من الدراسة رغبت المعلمة أن تراجع مع طلابها معلوماتهم عن التاريخ الأمريكي، فسألت: من قال «أعطني الحرية أو أعطني الموت»؟ نظرت في وجوه الطلاب فإذا هي واجمة حائرة، عدا الطالب «سوزوكي» الذي رفع يده وقال: باتريك هنري 1775م.
قالت المعلمة: عظيم. ثم سألت: من قال «حكومة الشعب بالشعب للشعب لن تنتهي في هذه الأرض»؟ مرة أخرى يعلو الوجوم والحيرة وجوه الطلاب إلا «سوزوكي» الذي قال: إنه إبراهام لنكولن 1863م. انفعلت المعلمة وصارت توبخ طلاب الفصل قائلة: أيها الطلاب يجب أن تخجلوا، أين أنتم من «سوزوكي»؟ فعلى الرغم من أنه ليس من أهل هذه البلاد إلا أنه يعرف عن تاريخها أكثر منكم.
عندئذ سمعت طالباً يهمس لأحد زملائه «اللعنة على اليابانيين»، فصاحت غاضبة: من قال هذا؟ رفع «سوزوكي» يده وقال: لي ايوكوكا 1982م.
اغتاظ طالب يجلس في خلف الفصل وقال: سوف أتقيأ. غضبت المعلمة وصرخت: حسناً، من قال هذا؟ أجاب «سوزوكي» مستعجلاً: إنه جورج بوش، قالها لرئيس وزراء اليابان عام 1991م.
علت الدهشة وجوه الطلاب، صاح أحدهم وهو في قمة الغضب موجهاً كلامه للطالب الياباني: حقاً سأكسر أسنانك. قفز «سوزوكي» من مقعده وهو يلوح بيده قائلاً بأعلى صوته: قال هذا بيل كلنتون مخاطباً مونيكا ليونسكي 1997م.
هاج الطلاب وماجوا، وأصابتهم هستيريا جماعية، فقال أحدهم: أيها القذر..... إن قلت أي شيء آخر سوف أقتلك. صرخ «سوزوكي بأعلى صوته: جاري كوندت مخاطباً شاندرا ليفي 2001م.
أُغمي على المعلمة، التف الطلاب حولها، وقال أحدهم: أوه يا للجحيم إننا في ورطة! قال «سوزوكي»: قالها الأمريكان في العراق عام 2004م.
وعلى افتراض صحة مضامين الحالة السابقة، تبقى من الحالات النادرة، تذكرتها ورأيت مناسبة الاستشهاد بها ليس من أجل أن نصل في قدراتنا الذهنية إلى هذا المستوى من الإحاطة والإجادة، ولكن ليتبين مدى التفريط في أمر يعد من لوازم حياة كل مسلم، أمر لا يسع المسلم أن يفرط فيه خاصة لكونه ذا صلة بشؤون حياته الدينية والدنيوية، ففي جلسة تصدر الحديث فيها عالم جليل أمام نفر من المفكرين المهتمين بالحياة العامة للمسلمين، والذين يعدون من المتمكنين في العلوم الشرعية ومصادرها الرئيسة، كان المتحدث يصف حال المسلمين وما يعتريهم من تشتت وتمزق، الحال التي أضحت بسببها الأمة غير قادرة على التحكم في إدارة شؤون حياتها، بل أضحت تستجدي من يعالج جراحها، ويواسي همومها، ويسترد حقوقها الضائعة، بعد أن كانت أمة قائدة تملأ الدنيا قوة وعدلاً، كان في معرض حديثه يستشهد بآيات من القرآن، تصف كل آية الحال وتشخصها، يتلوها ثم يتوقف يسأل في أي سورة هذه الآية؟ يلتفت يمنة ويسرة، يتطلع إلى الجواب، لكن الوجوه واجمة منكسرة، لا تعلم في أي سورة تلك الآية التي يستشهد بها المتحدث في كل مرة، عدا واحد أو اثنين تعرفا مرة أو مرتين على السورة.
هنا تتجلى صورة من صور الانفصام التي تبين حالنا مع القرآن الكريم، إن حال جل المسلمين مع القرآن لا تتعدى تلاوة آياته، تلاوة ترديد، لا تلاوة تمعن وتفهم وعمل وتطبيق، عجيبة حالنا مع القرآن، نتلوه كل يوم، نسمع آياته كل يوم، لكن الآيات تمر عبر الآذان مرور الكرام، لا يقر لها قرار في العقل ولا في الوجدان، وتلك إحدى أوجه الخيبة التي يعيشها المسلمون اليوم، ولن تصلح حالهم ما لم يفقهوا القرآن ويعملوا بآياته، عندئذ تعود الأمجاد الضائعة، ولا حاجة لاستجداء أعوان الأعداء في وقفة حق أو استرداد مجد.