كان يحكم الكرةَ الأرضيةَ الخلافةُ الإسلامية، وإمبراطوريتا الكاثوليك والأرثوذكس الممثِّلتان للمسيحية بمذاهبها وطوائفها.. واليهود لا كيان لهم، بل هم شُذَّاذ آفاق يتعلقون بحق المواطنة في كل بلد؛ فنفذوا من قُدُراتهِم الكونية التي ابتلى الله بها عباده بأسباب لا يتصوَّرها العقل، وأظنها لا تزال خرافة حتى هذه اللحظة عند من يعدُّون أنفسهم متنورين.. إنها الأسباب التي أسقطت القوى الثلاث وأسقطت دساتيرها معها، وأحلت دستوراً وضعياً أبرز ما فيه نظام الحكم الديموقراطي الذي يَعُدُّه جمهور المثقفين من المسلمين المثال النموذجي؛ زاهدين في نظام تاريخهم حتى لو كان عهد الخلفاء الراشدين؛ ولهذا كثرت الحملة من البدعيين والمستشرقين والحُواة على ذلك النموذج الفريد.
قال أبوعبدالرحمن: لو صَحَّ بوضوح كالشمس أن الانتخابات في الحكم الديموقراطي نزيهة 100% لا يزعجها ضغط شركات ولا إكراه سلطة: فإن الفكر، والتجربة العملية، والدين الصحيح يرفضها؛ لأنها تجعل الإرادة للدهماء، ومن المعلوم أن الكثرة من الشعوب هم الخاملون في مواهبهم، الجاهلون بسياسة الحكم ولا سيما ما يحقق المنطق التحليلي والأيديولوجي للدولة.. وإهمال إرادة أمثال هؤلاء ليس اعتداءً عليهم، ولا هضماً لهم، ولكنه رحمة لهم بتوسيد الأمر أهل الأهلية؛ لأنه ليس عنده علم ولا خبرة يرشح صوتهم.. وقد يغالط مغالط بأن لهم ناخبين مثقفين، وهذا مردود؛ لأن الناخبين انتخبوا بترشيحهم، وهم لا يملكون أهلية الترشيح، وليست الثقافة هي المؤهل، بل العدالة والخبرة والفكر.. والتجربة بيَّنت أن التوفيق مقرون بالعدالة والنزاهة، والعدالة قيِّمة على المنطق التحليلي والأيديولوجي للدولة، والدهماء تتلقَّن ذلك من ذوي الأهلية؛ فتظل ديمومة الحكم خاضعة لرقابة ذلك المنطق، مسيَّرة بالضغوط الشعبية من أجله، بل حصل في تاريخنا الأمرُ غلبةً كما في الخلافة الأموية، ولكنها كانت عزاً لأمَّتنا، والناس في رغد ويسر، والدين - دستور المسلمين - هو الحاكم، وتجاوزات بعض الحاكمين كانت مراهنة من الحاكم على الأصلح في المعادلة والأخذ بالمصلحة المرسلة، وقد شهدت التجربة بذلك؛ فمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه تجاوز الخلافة الراشدة إلى مُلك الرحمة بعد تغيُّر المجتمع بكثرة الخليط؛ فراهن بذلك من أجل المصلحة العامة؛ فوجدت التجربةُ أن الخلافة التحمت على يده، وكانوا عصبية العرب والمسلمين، وردءاً للأمة من أعدائها، بل كانوا مستمرين في الزحف المقدَّس.. ووجدوا أن تجاوز معاوية محتمل أمام مصلحة أكبر، إذْ كانت الدولة مهدَّدة بالانقسام: أموية شامية، وزبيرية في الحجاز، وهاشمية في العراق، وعاصيَّة في مصر، ومجوسية في المشرق، وكتابية في الآفاق؛ فاحتوى كل ذلك مع من جاء بعده.
قال أبوعبدالرحمن: نشر الديموقراطية في الحكم وغيره هو التخدير للأمم المتيح للصهيونية تحقيق أبعد تجاوز منذ كتابات نيكسون، والإطاحة بالشيوعية، والعمل على الدولة العظمى الواحدة.. وأما سبُّهم لنبي الله أيوب عليه السلام؛ فسببه أن اليهود وضعوا سِفر أيوب كله وضعاً، وهو كتاب إلحادي قام عليه الفكر الروائي الأدبي الإلحادي ولا سيما في الغرب عند دوستويفسكي وغيره، وتبرَّأ منه المتدينون اليهود، وجعله ملاحدة اليهود ذريعة لسب نبي الله عليه السلام، وهو مدخل للتنصُّل من الدين، والكفر بعدالة الرب سبحانه ورحمته.. ومنذ أربعة عقود كان الحديث عن الجمعيات السرية الهدَّامة، والماسونية، وبروتوكولات حكماء صهيون، والاختراق الصهيوني للعالم: حديث خرافة، وسذاجة، وتخلف وعي، وتحطيم لنفسية العربي - أما العالم الإسلامي فغير محسوب عند من منحوا أنفسهم لقب النخبة -؛ بالرفع من شأن الصهيونية، وأما الحديث عن الباعث الديني لدى العالم الأقوى، وإحكام الحصار على العالَمين الإسلامي والعربي أن يصل إلى نهضة علمية معتبرة تحقق القوة، أو يصل إلى وفاق يتَّحد معه قرارهم الديني والثقافي والسياسي والاقتصادي والعالمي: فكل ذلك أيضاً مظهر رجعية عندهم وتخلف.. بل الاستعمار المباشر، والاستعمار غير المباشر بالضغوط وفرض ما لا تريده الأمة إنما هو أطماع دنيوية في مقدمتها البترول، وسيطرة على المواقع الاستراتيجية.. وهذا حق بالمفهوم النفعي، ولكنه الشرط لتحقيق الباعث الأساس وهو الحرب الدينية الشعواء.. ثم تنفَّذ الانقلابيون في عالمينا العربي والإسلامي بدم أجنبي، وشعارات مضللة تستبعد وجودنا المعتبر وهو الإسلام وما يحفز إليه من عمل دنيوي وأخروي؛ فكانت القومية العربية بغير شرطها الإسلامي عوضاً عن الجامعة الإسلامية، وابتداء في الواقع العملي بقومية جمال عبدالناصر التي هي دعاية لتجمع عربي كيفما كان، وأخوة عربية تتجاهل ما لا يمكن به تحقيق التجمع من اختلاف في الملة والنحلة مع الطائفية والشعوبية، وتتناسى أن الأرض العربية منحة إسلامية، وأن شرط الإسلام هو مذهب الأكثرية، وهو حريتهم المعتبرة التي لم يكسرها سوى ظلم القيادات العسكرية الانقلابية.. إلا أن قومية عبدالناصر - لنزاهته في سلوكه، وكون أرض الكنانة هي أرض الأزهر والعلماء الأئمة - كانت متعاطفة من التاريخين العربي والإسلامي على المستوى الفردي، وكان القانون الوضعي الجماعي خير منه في كل البلاد من ناحية الأحوال الشخصية، وإقامة منابر الشريعة، وجعل الإسلام من مصادر الدستور بعد صراع بين لجنة الدستور التي رأسها السنهوري، وكان الجمهور يريدون الإسلام هو مصدر الدستور لا أنه من مصادره، وكان جماعة خالد محيي الدين يريدونه علمانياً.. ثم تحولت القومية عند البعثيين والطائفيين والشعوبيين إلى عقيدة تلغي قرون الهجرة، وتجعل الإسلام إنتاجاً عربياً، ومرحلة عربية يجوز معها مرحلة أخرى تصنع بها أو تستعير إيديولوجية جديدة.. وازداد الشتات العربي والإسلامي بالانقلابات الشوفونية الضيقة، والماركسية الأممية، وما يسمونه بالاشتراكية المعتدلة التي يعالجون بها ما أخلَّ به تركُ تحكيمِ الإسلام.. ووراء كل ذلك ذحول صليبية، وكيد صهيوني، ثم شمول السلوك الصهيوني لمن لا يحمل الهوية اليهودية المجرَّدة لكل إثم وعدوان.. ثم جاء رد الفعل - ووراء ذلك اختراق أجنبي بلا ريب - من دعايات باسم الإسلام حملت كل بذور التطرف أو الخرافة والتدروش، أو التذرع السياسي حتى كان الإسلام بسلفيته وصفائه ومصادره الحقيقية هو الغريب في أرض العرب والمسلمين إلا ما ضمنه الله لنا من وجود طائفة على الحق منصورة في كل زمان لا يضرها من خذلها إلى يوم القيامة.. ثم دارت الأيام دورتها فرأينا كل حدث إجرامي تصنعه الدول الكبرى لا يستفيد منه سوى الصهيونية ويهود الخزر، وأما بنو إسرائيل فهم مغمورون مجهولون؛ لعدم احتفاظ القوم بأنسابهم، ولعلهم لا يوجدون في غير يهود البلاد العربية وبعض البلاد الإسلامية، وهم أحط درجة في تصنيف دولة إسرائيل لرعاياها.. ودارت الأيام دورتها ثانيةً فرأينا الحرب الدينية هي الأساس، والأطماع المادية والاستراتيجية هي التبع وهي المقوم (الأداة المساعدة)، وحملت أرفف المكتبة العربية مئات الكتب المترجمة والمؤلفة من قبل العرب والمسلمين تحمل أمتن توثيق لما عدَّه النخبيُّون خرافة ورجعية.. إلخ.. ثم تضم هذه الكتبَ الموثقةَ إلى آلاف المقالات في الصحف والدوريات، وما لا يحصى من الكلام الشفهي في كلمة المحلل السياسي، والندوات، والشعر وصنوف الأدب: فتجد ما يتلاءم مع الكتب العلمية الموثقة، والوثائق المستقلة نزراً يسيراً جداً، وإنما هو تخبُّط في تفسير الأحداث بعد وقوعها تخبطاً لا يقيم للوثيقة والكتاب العلمي وزناً؛ فتمضي أسابيع أو أشهر أو سنوات قليلة؛ فتجد تلك التخبطات المتبجحة المتمعلمة كهانات لا سند لها من الواقع.
قال أبوعبدالرحمن: وبلغ الاختراق الصهيوني ذروته بميلاد البروتستانتية المدينة لأول طباعة كاملة للتلمود عام 1520م، وفي النهاية فُرضت على أعظم دولة في العالم، وهي ابتلاء صهيوني بحت؛ ولهذا انطلقت صيحات الإنذار في أوربا بأن هذا الاختراق: تهوُّدٌ، أو أنصاف يهود، أو أشباه يهود(1).. ومن مساهماتهم الدنيوية أن المادية غلبت على رجال الإقطاع والملوك وبعض البابوات؛ فكان اليهود دعماً لهم بإنماء المال بالربا والقمار.. كما أنهم انبسطوا للهو؛ فاستجاب اليهود لبحبحة حياة اللهو بإنتاجهم في المسرح والموسيقى - مع أنهم في حياتهم الخاصة أزهد الناس في ذلك -، و لكن الغاية عندهم تُسوِّغ الوسيلة، وأكثروا من الإنتاج في التناقضات والشتات الذهني من جهة الفلسفات المتناحرة في أمور الغيب والدين؛ بل استباح اليهوديُّ إمَّانويل بن سولومون(2) تأليف الأغاني المتجاوزة كثيراً لحدود الحشمة.. وكان أطباؤهم الكثر أصحاب العيادات في البلاطات لعلاج أوهام المرض التي ينتجها ترف الأكابر ومبالغتهم في التماس صحة مطلقة، وكانت مبادراتهم في دعوى الإصلاح والتصحيح الديني تتمظهر بهجائهم لدينهم، وتندُّرِهم بالتلمود وهم أشد رسوخاً عقيدياً(3) في التعلق به.. من هؤلاء كالونيموس(4)، ولوثر الذي أصدر عام 1542م نشرة (اليهود وأكاذيبهم) وكأنه لم يتعلم منهم شيئاً!!.. وكأنه لم يقل عن تسويغ محبتهم لثقافتهم اللغوية: (كيف أبغض قوماً يُقحمون على الناس لغات كثيرة كما يفعل زونجلي؛ فقد تحدث باليونانية والعبرية في همبرج ؟!!)(5).
ومن ناحية المبدإ الدنيوي فصفة اليهود عامةً عند الأوربيين أنهم (خميرة تقدميَّة اقتصادية)؛ ولهذا قال كازيمير الرابع عام 1447م معبِّراً عن مصلحة الشعب البولندي: (نحمي اليهود من أجل مصلحتنا ومصلحة خزانة الدولة)(6).
وسَرَتْ العدوى إلى سلطان المسلمين بايزيد الثاني(7)؛ فأحضرهم للمهارات اللازمة، وقال: « إنكم تقولون: إن فردينارد ملك حكيم عاقل.. ذلك الذي أفقر بلاده، وأغنى بلادنا!! «.. يعني طرد فردينارد لليهود.. وبالجزية أتيحت لهم فرصة الإعفاء من الخدمة العسكرية، وبرزوا في المناصب الديبلوماسية في عهد السلطان سليمان(8) حتى اضطرت أوربا إلى التودُّد لهم، وفي عام 1530م اقترحوا تسليح أوربا للهجوم على المسلمين!.
قال أبوعبدالرحمن: يكون الكيد الصهيوني بنشر الإباحية والإلحاد والكفر، ويكون بالاحتيال على أهل الأديان باختلاق مذاهب جديدة باسم الإصلاح كدعوى أن البروتستانتية دين مشتق من الكتاب المقدس.. وهذا الدين الجديد مُعرَّف به فيما كُتب عن مذاهب النصرانية وفي كتب الأديان الكثيرة، وفي كتب الموسوعات، وفي كتب الحضارات ومسار الفكر البشري.. ومنذ بدأ هذا الدين الجديد وهو مذاهب متصارعة مثل اللوثرية، والكالفونية، والأنغليكانية، والبروتستانتية المتحررة بزعامة ألبريخت ريتشل (1822-1889م) وأدولف هارناك (1851-1930م) (9).. قال ول ديورانت عن لوثر: (وبدت أخطاؤه واضحة للعين والأذن؛ فقد كان الفخر يشيع وسط تعبيراته الدائمة عن التواضع، وكان عقيدياً ضد العقيدة، مفرطاً في الحماسة لا يُبدي أية مجاملة لخصومه، ويتشبث بالخرافات في الوقت الذي يسخر فيه من الخرافة، ويندد بالتعصب ويمارسه في الوقت نفسه.. وهكذا لم يكن قدوة للصلابة أو مثلاً أعلى للفضيلة، ولكنه رجل جمع متناقضات الحياة، وإنسان مزَّقه بارود الحرب.. و قد اعترف قائلاً: (لم أكن أتوانى عن الانقضاض على خصومي بلسان حاد، ولكن ما فائدة الملح إذا لم يكن لاذع الطعم؟).. وتحدث عن المراسيم البابوية؛ فوصفها بأنها قذارة وروث، وقال عن البابا: إنه بذرة الشيطان، أو الملازم.. ووصفه بأنه خصم للمسيحية، وأما الأساقفة فقد نعتهم بأنهم ديدان وهراطقة كفرة وقردة جهلة) (10).
ولقد أبدى ديورانت في موضع آخر جانب عداء البروتستانتية - التي هي أساس الإنجيلي السبتي -؛ فقال: (وبلغ تأثير اليهود ذروته في الإصلاح الديني، ومن الوجهة الدينية كان هذا الإصلاح رجوعاً إلى أصل العقيدة البسيطة والأخلاق الصارمة في صدر المسيحية اليهودية؛ فإن عداء البروتستانتية للصور الدينية والتماثيل كان عوداً إلى عداء السامية للصور المنحوتة، واحتفلت بعض الفرق البروتستانتية بيوم السبت (مثل اليهود).. وإن إنكار عبادة العذراء، وعبادة القديسين ليقترب كثيراً من التوحيد الصارم عند اليهود(11)، كما أن ارتضاء القساوسة الجدد للزواج والجنس جعلهم أشبه بأحبار اليهود منهم بالكهنة الكاثوليك.. إن نقاد رجال الإصلاح الديني اتهموهم بالتهود، وأسموهم أشباه اليهود أو أنصاف اليهود.. وقال كارلستاد نفسه إن ملانكتون (من رجال الإصلاح اللوثري في ألمانيا) أراد أن يرجع إلى موسى وشريعته.. وضم كلفن تهمة التهود إلى آثام سرفيتس السيئة، وسلم الأسباني بأن دراساته العبرية أثرت عليه في مناقشة لاهوت التثليث، وأعاد حكمُ كلفن في جنيف إلى الأذهان تسلُّطَ الكهنةِ في إسرائيل القديمة، واتهم زونجلي بأنه متهوِّد؛ لأنه درس العبرية مع اليهود، وبنى كثيراً من عظاته وتعليقاته على النص العبري للتوراة، واعترف بأنه مفتون باللغة العبرية.. وقال: لقد ألفيت اللغة المقدسة فوق كل ما يعتقده الناس.. لغة مهذبة رشيقة جليلة، وعلى الرغم من فقرها في عدد الكلمات فإن أحداً لا يشعر بهذا النقص؛ لأنها تستخدم حصيلتها من الألفاظ بأساليب شتى.. والحق أني قد أجرؤ على القول بأن الإنسان إذا أدرك جلالها ورشاقتها لوجد أنه ليس هناك لغة أخرى تستطيع أن تُعبِّر عن الكثير بمثل هذا العدد القليل من الألفاظ، وبمثل هذه التعابير القوية (12).. وليس ثمة لغة مثلها غنية بأساليب التصوير المتعددة الجوانب الزاخرة بالمعاني، وليس هناك لغة مثلها تبهج القلب وتنفذ إليه بسرعة) (13).
قال أبوعبدالرحمن: أهلية اليهود لتحقيق كل مآرب يريدونها ليست محل خلاف؛ وإنما المتفق عليه أن قدرتهم لن تتحقق إلا من خلال ذوي القدرات من الأمم في كل مناحي الحياة، وثقل المعمورة كثرة وعلماً وقوة للمسيحية، والعداء لهم ديانة وجماعات مما لا يختلف فيه اثنان، وهو عداء صارخ جرَّ مآسي لا حصر لها، ولكنهم نفذوا من الأغوار، وحولوا هؤلاء الأعداء إلى قسمين: قسم أُشربوا في عقولهم ووجدانهم كل كذب يصل إلى حدِّ الاستهزاء؛ فكانوا القيِّمين بمآرب الصهيونية، ودهماء - سواء أكانت على شيئ من دينها، أو كانت أُخْرجت منه - تحمل البغضاء لشرذمة اليهود لما تعانيه من غبن دنيوي سهل معه عندها الكيد الديني، ولكنهم لا يجرؤون على الكلام، أو يتكلمون بما لا يشفي غليلهم، وراحتهم في التغامز بينهم.. وكلا الفريقين إلى هذه اللحظة يتكرَّر عندهم بالتذكُّر، ويتكرَّر عندهم بإبداعٍ جديد الإساءات القبيحة لعيسى بن مريم عليه السلام وأمه الكريمة المطهرة مريم العذراء عليها سلام الله وبركاته، ولا يثير عندهم النقمات التي كانت قبل سقوط القوى الثلاث (خلافة المسلمين؛ وامبراطوريتا الكاثوليك والأرثوذكس)، وحل محل ذلك فراغ ديني عند قوم، وتغاضٍ عند قوم بسبب التقارب الديني بعد الإيمان بنبوءات العهدين القديم والجديد ابتداء بأحموقة هرمجدون، ومما هو منقول من التلمود بالنص الصريح أن المسيح عليه السلام (يسوع الناصري) موجود في لجات الجحيم بين الزفت والقطران والنار، وأن أمه مريم قد أتت به من العسكري الروماني باندارا بمباشرة الزنا.. فلو كان عند هؤلاء غيرة على دينهم لكانت الدماء إلى الركب، ولكن الملاعين مهَّدوا لقبول ذلك بالوجود الصهيوني بكل ملامحه المتنفِّذة.. ومما تحتاج مكتبتنا العربية الاطلاع عليه منقولاً إلى لغتها نصوصُ التلمود كاملةً، وهي تعاليم الحاخاميين السرية، وكتاب فضح التلمود الآثم للأب آي. بي. براناتيس.. ويشير اليهود إلى يوسف باندارا الذي تتحدث عنه الكتب بأنه عاش في الجليل، وعُرف بالفسق والفجور، وكان جميلاً فأقدم على التغرير بالفتاة مريام (مريم) ابنة الأرملة، وهناك كتاب يهودي يحكي القصة بأكملها، ويرجع تاريخه إلى القرن الثاني أو الثالث الميلادي، استخدمه اليهود في الهجوم على المسيحية وتحقيرها، ويسعى ريموند مارتن لوثر (1483-1546م) زعيم الإصلاح البروتستانتي إلى ترجمته إلى الألمانية، كما نشره المستشرق الألماني يوحنا كريستوف فاجنزايل (1633-1705م)؛ فوضع النص اللاتيني مقابل النص العبري مع نصوص يهودية آثمة أخرى.
قال أبوعبدالرحمن: لا يمكن أن يمر مثل هذا الكفر في دولة مسلمة ذات قوة، بل ستنفِّذ حكم الله إن كان المفتري من رعيتها، أو تقيم علم الجهاد إن كان خارج رعيتها.. وهذا السخام في سفر مفترى يسمونه (سفر يسوع)، والمسلم محروم من الاطلاع عليه بلغة العرب، وإنما اطلعت على فقرات منه تهضم قلب المسلم وترفع ضغطه نقلها دارسون من أمثال الدكتور محمد بيومي مهران.. وليس هذا الطعن اليهودي البذيئ هو الوحيد في الافتراء على عيسى ووالدته عليهما السلام، بل دور النشر المعاصرة في الغرب خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية غاصة بالمنشورات التي تنطوي على مثل هذا الكفر كما ذكر المهتمون بالأديان، وبهذا تعلم مدى دعوى البروتستانت أنهم نصارى!!.
قال أبوعبدالرحمن: هذا عداء اليهود للبشرية، وعداؤهم للمسيحيين أشد، ولا ننسى عداوتهم الكبرى للولايات المتحدة التي احتضنتهم ودلَّلتهم ويُخشى عليها منهم.. قال إيليا أبوالروس: (يوم ألقى الزعيم الأمريكي بنيامين فرانكلين خطابه التاريخي الشهير لمناسبة كتابة دستور الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن الصهيونية قد كشرت عن أنيابها الكريهة بعد؛ لذلك خاطب فيه المواطنين الأمريكيين محذراً من خبث اليهود ومكرهم وخطرهم على أمريكا في المستقبل؛ فكيف ببلاده اليوم بعد مئة وخمسين سنة، وقد أعمى بصائرها النفوذ اليهودي والصهيوني معاً، إن كان بينهما من تفريق!.. لقد تنبأ لبلاده قبل قرن ونصف القرن بتعرضها لغزوتن اليهود السياسية والمالية واللاأخلاقية والدينية التي تظهر آثارها واضحة اليوم، حتى أن بعض الأمريكيين أنفسهم يطلقون على مدينة نيويورك اسم (جيويورك).. أي يورك اليهودية)(14).
وكتبه لكم : أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
- عفا الله عنه -
هوامش:
(1) قال أبوعبدالرحمن: وهذا ما حصل بالفعل منذ عهد بوش الجد حتى أصبح البروتستانت يهودَ سبتيِّيْن مصدرهم العهد القديم، وأما العهد الجديد فهو مرجع عام.
(2) قال ول ديورانت في قصة الحضارة 26/136-137: «ولد إمانويل بن سولومون الحارومي (الرومي) في نفس السنة التي ولد فيها دانتي (1265)، وأصبح صديقاً له، وكان رجلاً من رجال النهضة قدر ما يستطيع يهودي مخلص أن يكونه، وكان يحترف الطب كما كان واعظاً، وعالماً دينياً، وعالماً من علماء النحو، ومن المشتغلين بالعلوم، ومن أصحاب المال والأعمال، وشاعراً، ومؤلفاً لأغان ماجنة كثيراً ما جاوزت الحشمة.. ولما كان يتقن العبرية كل الإتقان فإنه أدخل إلى هذه اللغة المقطوعة الشعرية ذات الأربعة عشر بيتاً، وكاد ينافس الإيطاليين في الفصاحة والسلاسة والروح، ولم يُظهر أي شاعر يهودي قط قبل (هين) مثل ما أظهر إمانويل من موهبة الهجاء والروعة والذكاء، وربما كان إمانويل قد تشرَّب بعض مبادئ مذهب ابن رشد في الشك الذي ساد في ذاك العصر؛ فإن إحدى قصائده تعبِّر عن نفوره من السموات بما فيها من أناس أطهار، وذهب إلى أن النساء الدميمات الخلقة هن فقط الفُضْليات، (وذهب إلى) إيثاره للجحيم؛ حيث توقَّع أن يجد فيها أكثر الجميلات إغراءً في كل الأزمان (قال أبوعبدالرحمن: هذه هي نغمة عبدالله القصيمي لرواده إذا رأوا حسناوات بيروت، ثم يذكِّرهم بالصلحاء العميان المجدورين في السعودية)، وألَّف في شيخوخته قصيدة ضعيفة يقلِّد فيها دانتي في السماء والجنة.. ولم يكن ثمة في اليهودية مطهر.. مثلها (أي اليهودية) في ذلك مثل المذهب البروتستانتي.. وكان إمانويل أكرم من دانتي، فأفسح في الجنة مجالاً لكل الأبرار في العالم بأسره متبعاً في ذلك نهج تقاليد أحبار اليهود.. على أنه أدخل أرسطو إلى الجحيم؛ لأنه انتهى إلى خلود الكون.
قال أبوعبدالرحمن: يتظاهر بهذا الإلحاد؛ لتمزيق الإيمان والسلام وهو مخلص كل الإخلاص ليهوديته الماسونية الصهيونية فيما بعد.
(3) قال أبوعبدالرحمن: بيَّنتُ كثيراً في مباحثي أن «الفَعَلي» في نسبة «فعيلة» هو الاستثناء النحوي، وليس هو القاعدة اللغوية الاستقرائية.
(4) قال ول ديورانت في قصة الحضارة 26/137: «وكان كالونيموس في البداية متفرغاً إلى العلوم والفلسفة، وترجم أرسطو وأرشميدس وبطليموس وجالن والفارابي وابن رشد إلى العبرية، وكتب بروح أخلاقية عالية.. ولكنه وجد أنه من اليسير عليه أن يتمثل طباع المرح والبهجة في نابولي ويتشرَّبها؛ فلما انتقل إلى رومة أصبح هو رأس اليهود (شاعر روماني في القرن الأول ق. م) يهجو هجاء لطيفاً أخطاء المسيحيين، واليهود، وأخطاءه هو نفسه، ونقاط الضعف فيهم، وفي شخصه.. وندب حظه لأنه وُلد رجلاً؛ فإنه لو كان امرأة لما كان عليه أن يطيل التنقيب والتفكير في التوراة والتلمود ويحفظ مبادئ القانون البالغ عددها 613.. وسخرت روحه المرحة من التلمود، وتوحي الشعبية التي حظي بها هجاؤه لدى اليهود الرومان بأنهم لم يكونوا أتقياء متدينين بالقدر الذي كان عليه إخوانهم الأكثر شقاء في سائر البلاد».
قال أبوعبدالرحمن: بل كان متديِّناً مثلهم، ولكن الغاية تسوِّغ الوسيلة عندهما جميعاً؛ فلولا نقده لليهودية
- وهو لا يريد من الناس أن يتهوَّدوا - لما قُبل نقده للنصرانية، وبث الإلحاد، وخلخلة الإيمان.
(5) قال أبوعبدالرحمن: ومثله كالفن؛ فمن التُّهم التي وجهها لميجيل سرفيتوس الذي أحرقته الكنيسة عام 1553م: «أنه قَبِلَ وَصْفَ سترابو لليهودية بأنها بلد مجدب».. بينما وصفها الكتاب المقدَّس بأنها أرض يتدفَّق فيها اللبن والعسل.. انظر قصة الحضارة 24/245.
(6) قال ول ديورانت في قصة الحضارة 26/140: « وثبَّت كازيمير الثالث الأكبر (1333-1370) حقوق اليهود البولنديين ووسَّعها، وضمن الدوق الأعظم فيتوفست هذه الحقوق ليهود لتوانيا، ولكن في 1407م أبلغ أحد الكهنة شعب الكنيسة في كراكاو أن اليهود قد قتلوا طفلاً مسيحياً، وأخذوا يُمتِّعون أنظارهم بدمه.. وحرَّض هذا الاتهام على وقوع المذابح، وجدد كازيمير الرابع حريات اليهود وزاد فيها (1447م)، وقال: «نريد أن يشعر اليهود الذين نرغب في أن نحميهم من أجل مصلحتنا، ومصلحة خزانة الدولة أن يشعروا بالراحة في ظل حكمنا الخيِّر «.. واتهم رجالُ الدين الملكَ، وأنذره أولسنيكي رئيس الأساقفة بسوء المصير في الجحيم، وألقى يوحنا كابسترانو (الذي جاء إلى بولندة ممثِّلاً للبابا) خطباً ملتهبة مثيرة في سوق بلدة كراكاو (1453م).. ولما هُزم الملك في الحرب ارتفعت الصيحات بأن عقاب الله قد نزل به لمساندته الكفار.. ومذ كان في حاجة إلى تأييد رجال الدين للدخول في حرب أخرى فإنه ألغى صك حريات اليهود، ووقعت المذابح المنظمة في 1463، 1494.. وربما كان لمنع هذه الهجمات أن طلب إلى يهود كراكاو بعد ذلك أن يقطنوا ضاحية «كازيمييريه».. وفي تلك الضاحية وفي غيرها من المراكز في بولندة ولتوانيا زاد اليهود عدداً وازدهاراً بعد أن ذللوا كل العقبات، وفي عهد سجسمند الأول أعيدت لهم حرياتهم فيما عدا حرية الإقامة».
(7) السلطان بايزيد خان الثاني الخليفة العثماني الثامن.. ولايته 886-918هـ (1481-1512م).
(8) هو سليمان الثاني المعروف بالقانوني عاشر خلفاء بني عثمان الأتراك.. ولايته 927-974 (1520-1566م).
(9) انظر: المعجم الموسوعي للديانات بتعريب الدكتور سهيل زكار 1/180-181.
(10) قصة الحضارة 24/135.
(11) قال أبوعبدالرحمن: بل كتبهم المحرَّفة المبدلة مليئة بالوثنية.
(12) قال أبوعبدالرحمن: كان القصيمي يقدح في بلاغة القرآن الكريم، ويصف الأناجيل بالجهل، ويثني على التوراة وأن لغتها شاعرية.. ولا أعلم كيف تأتَّى له ذلك وهو لا يجيد العبرية!!.
(13) قصة الحضارة 26/141-142، وانظر بقية الصفحات إلى ص140، وانظر بقية الصفحات إلى ص140.. وكان التقدم البروتستانتي في ظروف تفرض على الزعماء في أوربا الاعتراف بالبروتستانتية وتدليلها؛ لمواجهة المدِّ الإسلامي من تركيا المسلمة في عهد العثمانيين.. قال ول ديورانت في قصة الحضارة 24/171: «ولكن ما أن حلَّ عام 1527م حتى كانت الهرطقة اللوثرية قد أصبحت مذهباً للمحافظين في نصف ألمانيا، ووجدت المدن أن البروتستانتية تعود عليها بالفائدة.. وقال ميلانكتون في أسى: إنهم لا يبالون ولو قليلاً بالدين، وهم لا يتطلعون إلا إلى وضع الأملاك بين أيديهم، وأن يتحرروا من أشراف الأساقفة.. ونجوا بتغيير طفيف للمسوح الدينية من الضرائب والمحاكم، واستطاعوا أن ينزعوا أجزاء لا بأس بها من أملاك الكنيسة.. ومع ذلك يبدو أن رغبة صادقة في دينٍ يتميز بالبساطة والإخلاص، قد أثارت الكثير من المواطنين؛ ففي ماجديبرج اجتمع عددٌ من أعضاء أبرشية سانت أولريخ في فناء الكنيسة، واختاروا ثمانية رجال؛ لكي ينتخبوا بدورهم الواعظ، وليديروا شئون الكنيسة (1524)، وسرعان ما كانت كل الكنائس في المدينة تناول العشاء الرباني بالطريقة اللوثرية «. وانظر ص182-183.
(14) اليهودية العالمية وحروبها المستمرة على المسيحية ص107.