لست أدري لما تذكّرت الوزير غازي القصيبي قد تكون لحظة حنين لشخصيات ستبقى بالذاكرة طويلاً أم هي تداعيات لها ما يبررها لكنها الذاكرة تستعيد الشخصيات في لحظات نكون نحن مستعدين لتذكّرها وفي كل الأحوال أدعو الله بالصحة والعافية للوزير غازي القصيبي في أي أرض كان... أستعيد في هذا اليوم حادثة إدارية كان فيها غازي القصيبي صلباً لا يثنى عندما دخل في مواجهة مع التجار في بداية تسلّمه وزارة العمل ودعا إلى خفض عدد العمالة في الشركات والمؤسسات لأن رقم العمالة الأجنبية جاوز ثلث التعداد العام ليقارب نصف السكان واتخذ إجراءات إدارية لتحديد النسب المخصصة للشركات والمؤسسات وفي أحد المؤتمرات الاقتصادية تلقى سيلاً من الاعتراضات على قرارات وزارته (العمل) حتى هدد بعض التجار بنقل مصانعهم ومشاريعهم إلى دبي وبعض عواصم الخليج فرد الوزير القصيبي مباشرةً: «من يريد الرحيل إلى دبي يدعوني لأحتفل معه».. وعرفت تلك الحادثة إعلامياً باسم تفكيك المصانع وبذلك أغلق القصيبي الباب أمام ضغوطات التجار ليتم تغليب المصلحة العامة على مصالح أشخاص وتجار أراد البعض منهم إغراق مدننا بالعمالة وتحويلنا إلى أقليات في بلادنا تحت غطاء الطفرة الاقتصادية والتنمية... قد لا تكون الصورة مثالية كما طرحتها لكن القرارات التي اتخذت في تلك الفترة، وضعت حداً لتجار التأشيرات وبعض المشاريع الوهمية وتجارة العمالة فرحل من رحل والذين وافقوا على قرار الوزير القصيبي وعلى مضض ولم يرحلوا لدبي أصبحوا الآن أكثر حظاً ممن تعرض للهزة الاقتصادية العالمية وهزة دبي التي جرّت بعض الخسائر... وهذا أيضاً ليس بالصورة المثالية التي قصدتها، ما أنويه وأقصده هو أن الباب الذي أغلقه القصيبي لم يكن (موارباً) أو حتى (مجافى) ولا باب (خيش) كما يقال إنما الأبواب الموصدة والمحكمة الإغلاق لم يتمكنوا من الدخول منها، بل أتى التجار من شباك مفتوح ومن (كوة) وبالخليجية المحكية من (الدريشة) جاء تجار من شبابيك عدة وبفساد ناعم له وجه الحاسب الآلي والأنظمة الإدارية والتدريب والتطوير لبيع أنظمة إدارية وتدريب وتعاملات إلكترونية تحت غطاء الإدارة الإلكترونية شركات سعودية وخليجية وأوربية أصبحت طرفيات لشركات قيل إنها عالمية منتشرة في أمريكا وأوربا إدارتها خليجية ومشغليها من الأوروبيين والقارة الهندية وملاكها من السعوديين... فالتجار والسماسرة السعوديون لم يكونوا بحاجة إلى تفكيك مصانعهم ونقل معداتهم إلى دبي وحملها عبر القطارات والموانئ.. تأهيلهم مكتب إداري وطاقم علاقات عامة وخبير أوروبي وهندي وملاك من السعوديين وشركاء من الخليجيين..
أما الفساد الناعم فمصدره من أولئك العاملين في بعض قطاعات ومؤسسات الدولة من التكنوقراط بعضهم داخل المنصب والبعض من المستشارين الرسميين فهم إما من ملاك شركات أنظمة الكمبيوتر أو شركاء أو سماسرة ووسطاء ويتم التعاقد مع شركاتهم بالملايين في فساد ناعم لتجارة تأتي من وراء البحار فلا حاجة لتفكيك المصانع والمواجهات الساخنة وهنا تأتي مسؤولية الأجهزة الرقابية للمحافظة على الأموال وكشف العقود والشركاء المتورطين ممن هم على وظائف رسمية يوقعون على اتفاقيات لشركاتهم.