كان صحفياً وكاتباً وأديباً ومؤرخاً متميزاً لا تعوزه الحكمة. كان يمثل جيل الرواد، وهم من نفتقدهم في هذا الجيل. كانوا قدوة. كلٌّ في مجاله ودائرة اهتمامه، ولا أقول تخصصه، فهذه مفردة حديثة. كان محمد حسين زيدان، يرحمه الله، علماً من أعلام هذه الأرض الطيبة، وثمرة من بستان الخير الوارف في كل شبر في هذه البلاد. قال ذات مرة كلمة، أحسبها حكمة بالغة، قال (نحن مجتمع دفَّان).
وكان يشير إلى حال هذا المجتمع، أو غالبه، في (نسيان) بعض رموزه، والغفلة عنهم، وتجاهل إنجازاتهم وريادتهم في كثيرٍ من المجالات. والنماذج على ذلك كثيرة. بل إننا لا نكاد نذكر بعضهم إلاَّ عند موتهم، أو بعد ذلك، ولبرهة من الزمن، ثم يطويهم النسيان، دون أن نخلِّد ذكراهم، أو نرصد أعمالهم، أو نقدِّر إنجازاتهم، وهم كثر، تجدهم في كل مجال. فكرت كثيراً في حكمة أديبنا الراحل، وحاولت، بحكم تخصصي، إسقاطها على علم الاقتصاد، كعنصر فاعل يلعب دوراً حيوياً في حياتنا الحاضرة، فالاقتصاد أكثر من نظرية لا يفهم طلاسمها إلاَّ المتخصصون في هذا العلم، فهو منهج لإضافة الرفاهية إلى حياة الناس، وهذا مفهوم شامل. كيف يرى الاقتصادي حكمة ذلك الأديب؟ أليس في تكريم الرموز الوطنية التي تركت بصماتها في مجال عملها، وشكَّلت البدايات، وتسنمت الريادة، أليس في ذلك تحفيز للأجيال المعاصرة والقادمة لتبدع في عملها حتى تترك بصماتها في أعمالها؟ أليس في ذلك التحفيز تفجير لهذه الطاقات الكامنة وإطلاق لإبداعها، وفي كل ذلك مدخل لتحسين الأداء وزيادة الكفاءة، وذلك هو المنتهى الاقتصادي للتحفيز، إذ ينتج عنه زيادة في القيمة المضافة في الاقتصاد. فكرت في هذا الاتجاه أكثر من مرة، وربطت ذلك بمقولة أديبنا الراحل، وأننا مجتمع دفَّان، وأنا أتجول في بعض الميادين الحديثة بعاصمتنا الرياض. هذا ميدان القاهرة، وذاك ميدان أبوظبي، وميدان الجزائر. لدي نظرة خاصة إلى مدينة الرياض، فهي عاصمة هذه المملكة، وهي نقطة الجذب التي يتجه إليها الإنسان السعودي من كل أطراف هذه المملكة، ولهذا فهي عاصمة كل سعودي، وهي التي أنظر إليها وقد احتضنت كل سعودي. هذا هو عنصر الجذب الأول الذي يخلق لهذه المدينة تنافسية فيها شيء من الخصوصية، أحسب أن أميرها المحبوب، سلمان بن عبدالعزيز، وقد أمر بإنشاء مركز الرياض للتنافسية، يعرف هذه الميزة أكثر من غيره، فهو عاشق الرياض الذي هام في حبها أكثر من نصف قرن. فكرت في هذا وتمنيت أن يطلق اسم الأوائل والرواد من أبناء هذه المملكة على هذه الميادين، مع وضع لوحة رخامية كبيرة مضاءة في كل ميدان تروي سيرة هؤلاء. لدينا أوائل في كل مجال. في عالم المال والأعمال، لدينا صالح وسليمان الراجحي وسليمان العليان وإسماعيل أبو داود ووهيب بن زقر وسعد المعجل والشربتلي وعبداللطيف جميل، وغيرهم كثير. في الاقتصاد لدينا أستاذي د. يوسف نعمة الله، يرحمه الله، وهو أول سعودي يحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد. ولدينا أستاذي الدكتور محسون بهجت جلال، يرحمه الله، وهو علمٌ غني عن التعريف. في العلوم الشرعية لدينا الشيخ عبدالعزيز بن باز، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الشيخ محمد الحركان، الشيخ محمد إبراهيم بن جبر، الشيخ علوي مالكي، والشيخ حسن مشاط، يرحمهم الله، وغيرهم كثير. في الأدب والشعر والتاريخ، لدينا أوائل أمثال حمد الجاسر، يرحمه الله، وحمزة شحاتة، يرحمه الله. هؤلاء الأعلام مجرد أمثلة أسعفتني بها ذاكرتي التي اعتراها بعض الضعف، فأرجو المعذرة، وأعترف بالتقصير، وأطلب العفو. كم أتمنى أن تحتضن ميادين الرياض العاصمة أوائل وأعلام هذه الأرض الطيبة، وتقدمهم لأجيال اليوم، فهم قدوة حسنة، وألا تكتفي العاصمة بوضع أسماء هؤلاء، وأمثالهم، على شوارعها فقط. ما أطرحه هو مشروع يتجاوز ذلك، هو رصد ثقافي، ومعلم حضاري، وتحفيز اقتصادي لأجيال واعدة. ما أطرحه لا يتجاوز أن يكون فكرة تحتاج إلى دراسة، وربما تطوير.
*رئيس دار الدراسات الاقتصادية – الرياض