Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/02/2010 G Issue 13659
السبت 06 ربيع الأول 1431   العدد  13659
 
قضايا الخلافات الصينية - الأمريكية .. هل من وفاق ؟!
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

 

العلاقات الدولية البينية تتعرض للمد والجزر فتتحسن أحيانا وتمر بأزمات ومنعطفات أحايين أخرى. صرفت الصين خلال السنوات الخمس الماضية ما يعادل «واحدا من سبعة» من مجموع منتجها الاقتصادي في شراء «المديونية الدولية» ومعظمها الأمريكية، وبذلك تجاوزت اليابان منذ سبتمبر من العام الماضي، والتي تعتبر أكبر حاصل لسندات الخزانة دوليا. وعندما أعلنت أمريكا في العام الماضي خطتها التحفيزية لإنقاذ اقتصادها المتردي، وكان المبلغ المشهور «800 بليون من الدولارات»، كانت الصين أعظم المتعطشين لتقديم القروض ومن ثم تحولت أمريكا عالية المديونية للصين، ولاسيما ما يختص بسندات الخزانة الحكومية قصيرة الأجل «i.o.u.›s»، وتعني حرفيا: «أنا مدين لك».

ومن المعلوم أن هذه المديونيات تلقي بظلالها على أسواق البورصات الدولية، وأكثرها تأثيرا بطبيعة الحال على البورصة الأمريكية. وهنالك ما يدل على أن الصين متوجهة نحو الحد من الإقراض للحيلولة دون تعرض اقتصادها للإنهاك والذي من شأنه عرقلة الانتعاش العالمي إذا ما سحب التحفيز قبل الأوان. يضاف إلى ذلك ما أظهرته بيانات يناير من فقدان الاقتصاد الأمريكي عشرين ألفا من فرص العمل بشكل غير متوقع. وحتى يوليو الماضي تملكت الصين ثمانمائة ونصف البليون من الخزانة الأمريكية «قروضا قصيرة الأجل» بزيادة 3 في المائة عن شهر يونيو لعام 2009م.

وباختصار يمكن القول: إن الصين من وجهة نظر اقتصادية تمسك بأمريكا من خلال «يدها التي تؤلمها.» والشيق في الأمر أن ما جعل العلاقات الأمريكية-الصينية أكثر تقلبا ما يحصل داخل أمريكا نفسها ومن ذلك حالة البطالة التي تعاني منها أمريكا بعامة وبعض ولاياتها بخاصة، ومن قريب جدا، طالب أوباما في حديث له مع مجموعة من المشرعين الأمريكيين الصين فتح أبوابها للمنتجات الأمريكية للتخفيف من الوضع الاقتصادي غير المتوازن بين البلدين، وذكر للمشرعين أن حكومته سوف تنهج نهجا أكثر تشددا من ذي قبل فيما يتعلق بالقواعد المنظمة للعلاقات الاقتصادية بين بلده والصين.

وأضاف في حديثه مع النخبة ذاتها، من مجلس الشيوخ أن على الصين معالجة معدلات العملة للتأكد من أن أسعار المنتجات الأمريكية لم تكن «مضخمة بشكل مفتعل» بينما تكون الواردات «مخفضة بشكل مفتعل» أيضا، وبهذا يمكن الوصول إلى علاقة متوازنة من شأنها أن تساعد على مضاعفة الصادرات الأمريكية وإيجاد فرص عمل للأمريكيين.

وفي اجتماع رجال الأعمال والسياسة في مدينة دافوس السويسرية في 27 من شهر يناير 2010م «المنتدى الاقتصادي العالمي،» والذي شعاره: «تحسين حالة العالم، إعادة التفكير والتصميم والبناء،» أعلنت الصين في أعقابه رفع الجمارك على «الدجاج المجزأ» المستورد من الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى أكثر من 105 في المائة.

وفيما يظهركان ذلك ردة فعل من قبل الصين تجاه رفع الجمارك الأمريكية على الإطارات المستوردة من الصين. ولقد أكدت بكين كذلك عزمها على فرض عقوبات على الشركات الأمريكية التي سوف تبيع الأسلحة لتايوان في أعقاب قرار إدارة أوباما الموافقة على ما تزيد قيمته على ستة بلايين دولار من الأسلحة لتايبيه. وهذا من شأنه أن يؤثر على الشركات الأمريكية مثل بوينج ولوكهيد وغيرهما من الشركات الأمريكية العملاقة، وقد ردت الصين بغضب على مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان من قبل وتجميد «العلاقات العسكرية» ووضعت بعض الشركات الأمريكية على القائمة السوداء، ويعتبر هذا الإجراء هو الأول الذي تهدد به الصين فرض عقوبات بشكل معلن. وهنا نقول أينما نذهب نجد تعارضا، أو عدم اتفاق هنا وهناك بين الدولتين العظمتين.

وهنالك توجه أمريكي هذه الأيام يتمثل في استمرار ممارسة الضغط على الصين، إذ صرح مساعد الخارجية الأمريكي لعدد من أعضاء الكونجرس بأن الصين سوف تندم لو أقدمت على إجراء مضاد نحو اقتصاديات أمريكا من جراء بيع أسلحة لتايوان، وأمريكا «قلقة جدا» من احتمال اتخاذ إجراءات انتقامية من قبل الصين.

وزاد من تدهور العلاقات الصينية- الأمريكية ما أعلن أخيرا عن الزيارة التي سيقوم بها دالي لاما، زعيم التبت للبيت الأبيض خلال شهر فبراير الحالي، وذلك يعتبر تحديا للصين. أما في أكتوبر الماضي فلم يجتمع الرئيس الأمريكي به عندما كان في أمريكا، ويعتبر ذلك تحولا في السياسة الأمريكية مع الصين. وتعتبر الصين «التبت» جزءا من الصين وتنظر إلى لاما صانعا للمشاكل ومصدر إزعاج لها، وبذلت بكين جهودا لإقناع الأمريكيين بعدم إتمام الزيارة المرتقبة.

أما بالنسبة لإيران فلقد تجاهلت الصين تحذير وزيرة الخارجية الأمريكية، كلينتون، حول رفضها مقاطعة إيران بسبب سياسة هذه الأخيرة النووية وما قد يترتب على ذلك من عزلة دولية للصين من اتخاذ موقف سلبي بشأن هذا الأمر. ولم تبد الصين أية علامة لتأييد الحظر على إيران، بل إن وزير خارجيتها، يانج جيتشي رفض أثناء زيارة له في باريس دعوات أمريكا وبريطانيا ودول أخرى لتأييد مقاطعة دول مجلس الأمن، واعتبر الحديث عن مقاطعة إيران في الوقت الحاضر أمرا غير بناء.

إن صعود «الجيوبولوتيكية الصينية» في السنوات الأخيرة له آثاره على العالم العربي والقضايا الشرق أوسطية، ويعتبر موضوعا جادا ومطروحا للنقاش. ومن المعلوم أن الصين تحيي «اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني» منذ عام 1979م، الذي أقرت به الجمعية العمومية للأمم المتحدة لرفع الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني نتيجة قرار التقسيم في عام 1947م.

وهنالك منطقة من الخلاف تعتبر»إستراتيجية» في طبيعتها تتمثل في محاولة الصين الحصول على صواريخ كروز التي أثبتت قدرتها أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991م. وبهذه الإستراتيجية يمكن للصين التأثير على القرارات الأمريكية بامتلاكها لمثل هذه الصواريخ دون الدخول في نزاع معها بشكل مباشر. وتمكن هذه الصواريخ الصين من توجيه ضربات دقيقة بتكلفة أقل بكثير من القوة الجوية الحديثة، وتعد جهود الصين للحصول على هذا النوع من الصواريخ تطورا مثيرا لقلق الولايات المتحدة الأمريكية.

وتجد الصين ضالتها في روسيا حيث تشتري منها صواريخ كروز المضادة للسفن، وتشكل هذه الإستراتيجية الصينية مصدر قلق لأمريكا إذ هي وحدها التي تمتلك الأساطيل البحرية التي تمخر عباب البحار والمحيطات حول العالم.

وفي اجتماع ديسمبر من العام الماضي عينت الصين مسئولا «غير رفيع المستوى» ليقابل أوباما ويبلغه بتهديد دولته بعدم تخفيض الكربون، ولقد خاب أمل أمريكا إزاء فشل الصين في دعمها لقضية «التغير المناخي،» على الرغم من أن الصين سبق وأن أعلنت أهدافها الخاصة بالحد من انبعاث الغازات المدفونة، والمعروفة ب « greenhouse gas emission›s control.» وتمنى رئيس وزراء الصين، وين جابو عند اجتماعه بالرئيس الدنمركي راسموسن، أن يتوصل مؤتمر التغير المناخي إلى نتائج إيجابية، ولكنه أشار إلى مسئوليات مشتركة ولكنها متباينة، ولربما قصد بذلك تباين المسئوليات تبعا لأحجام الدول وأدوارها عالميا.

ولقد أشرت في مقالة نشرت لي في هذه الصحيفة بتاريخ 28 جمادى الآخرة، 1429ه، أن ما يعرف ب «سخونة الأرض» يعود سببها بشكل رئيس إلى زيادة الكربون المنفوث في الأجواء، والذي يمكن تخزينه بطريقتين في مكان غير الغلاف الجوي، وهما: الطريقة البيولوجية والجيولوجية، وتفضل الأولى على الثانية لتقليص الكربون بمقدار كبير وسريع.

وهنالك مسألة انحياز أوباما مع جوجل، رائدة البحث الحاسوبي، في الخلاف الذي بينها وبين الصين بسبب هجمات «القرصنة الحاسوبية» الصينية المزعومة على جوجل.

ويبدو أن بكين لن تتراجع عن سياستها الرقابية التي تفرضها على عملاق البحث الأمريكي، أما جوجل فبإنهائها الرقابة على موقعها الصيني، فتخالف من ناحية اتفاقها مع الصين، وتحاول كسب القلوب والعقول، وليس الإبقاء على أعمالها في الصين، من ناحية أخرى.

والسؤال المطروح الآن يتعلق بكيفية الخروج من «الورطات» بين الصين والولايات المتحدة والتي إن لم تعالج فستزيد من «الهوة السياسية» بين البلدين ولربما دخلا في حرب باردة تذكرنا بالحرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي منذ ثلاثة عقود من الزمان. ولقد عزا أحد المتخصصين في الشأن الصيني ذلك إلى تغير في الجانب الصيني مرده شيئان: «ثقة مفرطة» دوليا و»عدم أمان» داخليا. وعموما، لربما هنالك ثمة «عدم ثقة» بين الجانبين الصيني والأمريكي ابتداءً.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد