أعلنت الحكومة البرازيلية رسمياً عن التزامها بتنفيذ مشروعات رياضية ضخمة لاستضافة كأس العالم 2014، واستثمار 9.5 مليار دولار ( 35.6 مليار ريال) في منشآت رياضية وخدمية متطورة. البرازيل لم تكن يوماً من الدول الغنية، بل كانت غارقة في مشكلاتها الاقتصادية والمالية الحادة. نجحت البرازيل في بناء اقتصادها على أطلال أزماتها المالية والإدارية ما ضمن لها مقعدا رئيسا في مجموعة العشرين التي تضم أهم الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي.
البرازيل، وبفكرها الاقتصادي الحديث، لم تكن لتقدم على إنفاق 9.5 مليار دولار لولا تيقنها من العوائد الضخمة التي سيحققها اقتصادها، وقطاعاته المتنوعة. أصبحت الرياضة مصدراً من مصادر الدخل، وقطاعاً خصباً للاستثمار، إضافة إلى ما تحققه من أهداف رئيسة في بناء الإنسان، تطوير الفكر والثقافة، حماية النشء من الأفكار الهدامة، والممارسات الخاطئة، الكسب الإعلامي، والحضور الدولي.
تؤمن دول العالم بجدوى الاستثمار الرياضي، وتدفع نحو خصخصة الأندية والقطاعات الرياضية، ويتدخل البنك الدولي في إجراء الدراسات المتخصصة المعينة للدول على تحويل قطاعاتها الرياضية المكلفة، التي تستنزف أموالاً ضخمة من ميزانياتها السنوية إلى منشآت تجارية مستقلة تقوم على مبدأ الربح، وتحقق العوائد المجزية لها، وللاقتصاد بشكل عام.
خصخصة الأندية، والقطاعات الرياضية في السعودية تسير بخطى متثاقلة توشك أن تقضي على مشروع الخصخصة الذي فُتح ملفه منذ عقد من الزمان؛ في 16 أكتوبر 2006 ذكر الدكتور عبدالله العذل، وكيل الرئيس العام لرعاية الشباب للشؤون المالية، ل»عكاظ» ما نصه «فكرة الخصخصة بدأت منذ سبع سنوات عندما شكل الأمير فيصل بن فهد - يرحمه الله - لجنة برئاسة الأمير سلطان بن فهد وضم الاجتماع الأول رؤساء الأندية ومنسوبي الغرف التجارية ورعاية الشباب». أي أن ملف الخصخصة فُتح قبل أكثر من 10 سنوات وما زال مفتوحاً حتى اليوم!.
مجلس الشورى الموقر حث الرئاسة العامة لرعاية الشباب على التعجيل في تنفيذ مشروع خصخصة الأندية في أكثر من مناسبة، ومع تقديري التام لجهود مجلس الشورى ونظرته الثاقبة، إلا أن الإيمان بجدوى الخصخصة من قِبل القائمين على الرياضة السعودية هو المؤثر الرئيس في عملية الإنجاز المتعثرة حتى الآن.
أعود من جديد لحديث الدكتور عبدالله العذل، السابق، الذي اعتقد فيه ب»ان الخصخصة في المجال الرياضي غير ناجحة في المملكة لأن الهدف من المساهمة الربح والنادي الذي لا يملك عناصر الربح بالتأكيد أن أسهمه المعروضة لن تجد أحداً يقبل على شرائها، وبالتالي ما العناصر التي تجعل الأندية الأوروبية مربحة مقارنة بالأندية السعودية لأنها تعتمد على المراهنات أو الضرائب وكذلك هناك الإعلانات التجارية الخاصة بالتدخين والمشروبات الكحولية وهي إعلانات مروجة بشكل كبير ولها شعبية واسعة، وهناك أشياء كثيرة تحول دون خصخصة الأندية الرياضية». خلال السنوات الماضية كان هناك تنافس محموم بين شركات الاتصالات على الظفر بعقود إعلانية مع الأندية السعودية ما وفر لتلك الأندية أموالاً طائلة لم تكن متاحة من قبل؛ إضافة إلى ذلك فقد تعهدت قناة أبوظبي الرياضية بشراء حقوق نقل الدوري السعودي بمليار ريال، وهناك شركات تتمنى الاستفادة من القطاع الرياضي السعودي متى توفرت الأنظمة والقوانين الضامنة لحقوق أطراف العلاقة الاستثمارية الرياضية.
أما عالمياً فشركة طيران الإمارات دفعت أموالاً طائلة، وقامت ببناء ملعب رياضي ضخم لنادي ارسنال الإنجليزي مقابل رعايتها الفريق.
وفي اليابان تقوم الشركات بتأسيس الأندية أو رعايتها مقابل عقود إعلانية، وهي بالمناسبة شركات لا علاقة لها بالكحوليات والمقامرة. يُفترض أن يكون الفكر الرياضي الاستثماري قد تغير بالكلية بعد النجاحات الاستثمارية المحققة على أرض الواقع، إلا أن ذلك لا يضمن وصول قطار الخصخصة محطته النهائية سريعاً، خصوصاً أن المعوقات البيروقراطية، الإدارية، القانونية، الفكرية، والمالية ما زالت قائمة حتى الآن.
الأندية الرياضية تدر ملايين الريالات، ويمكنها أن تحقق عوائد مجزية تتجاوز في مجملها عوائد بعض الشركات المدرجة في سوق المال، وهي في حاجة ماسة إلى إطار قانوني يجعل منها منشآت تجارية مستقلة، وعندها سنجد التطور الكبير، والفائدة الاقتصادية التي ستعود على الوطن والمواطنين بالخير الكثير.
أرجو أن ينجح المعنيون بملف خصخصة الأندية في إنجاز المشروع من الداخل قبل أن يدهمهم تغيير الخارج، خصوصاً أن الاتحاد الآسيوي، وبدعم من الاتحاد الدولي، يقوم بإجراء تغييرات شاملة لنقل الاتحادات والأندية الرياضية إلى حقبة الاحتراف الذي يعتمد في الأساس على الخصخصة والفكر الرياضي الاستثماري المحترف.
الاتحاد الآسيوي ألزم الأندية المشاركة في دوري المحترفين الآسيوي، ومن ضمنها الأندية السعودية، بالإعلان الرسمي عن ميزانياتها السنوية قبل بدء الموسم الجديد، وهي خطوة أولى في طريق التحول نحو كيانات تجارية مستقلة، وستتبعها اشتراطات مستقبلية تجعل الجهات الرياضية في مواجهة مباشرة مع مشروع «الخصخصة»، لذا أعتقد أن الوقت قد أزف لإنجاز ملف الخصخصة الرياضية على وجه السرعة، بمساعدة دولية، وبإشراف شركات عالمية متخصصة، تضمن الفائدة وتحقق الأهداف المرجوة.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM