(لن يستطيع الرئيس التنفيذي لأي منظمة أو شركة الوصول إلى بر الأمان مهما بلغ ذكاؤه بدون موظفيه؛ فالأيدي والعقول البشرية هي أهم سلاح في ترسانة المنظمة لإعادة بنائها والخروج بها من أية محنة أو انهيار متوقع)، بهذه الكلمات استهل جاك ويلش الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة جنرال إليكتريك خطابه في منتدى الأعمال لعام 2008م في نييورك.
تنبه القائمون على الشركات حديثاً إلى أهمية رأس المال البشري، بعد فشل سابقيهم قديماً في فَهْم وإدراك أهمية رأس المال البشري عند حسابهم للثروة والنمو الاقتصادي لشركاتهم ومؤسساتهم؛ حيث كانت الفلسفة القديمة تعتقد أن رأس المال الحقيقي يرجع إلى الاستثمار في رأس المال الطبيعي لتحقيق النمو الاقتصادي وزيادة الدخل، في حين أهملت رأس المال البشري، وهذا ما يعكسِه ديفيد ريكاردو في نظرته السابقة؛ حيث اعتبر رأس المال هو العنصر الاستراتيجي والأهم في نجاح الشركات.
ولكن سرعان ما تغيرت هذه النظرة وهذا المفهوم بعد ثورة ادم سميث، الذي اهتم برأس المال البشري، وأكد أن هناك علاقة قوية بين الاستثمار في رأس المال البشري وزيادة الدخل والنمو الاقتصادي، حتى أن أحد رجال الإدارة في بريطانيا قال فيما بعد: «إنَّ قيمة رأس المال البشري قد جاوزت قيمة الأسهم لرؤوس الأموال في بريطانيا العظمى».
لهذا فإن الافتراض الأساسي للشركات والمؤسسات التي تريد أن تعيد اكتشاف ذاتها, وتحقق الأرباح والزيادة في الدخل، هو اعتبار أن رأس المال البشري أكثر مواردها أهمية؛ لذا يجب العناية به وتطويره وتحسينه بما يتلاءم مع وضع السوق وحاجته.
لقد آن الأوان لكي ننظر بجدية للموظفين؛ فالشركة المتطورة تعامل موظفيها باهتمام بالغ, حتى على مستوى التدخل في حياتهم الشخصية إلى حدٍ ما، مع أن هذا كان يعتبر في الماضي تدخلاً معيباً من جانب الإدارة في شؤون العاملين بالتدخل في حياتهم الشخصية, ولكنه يصبح حقاً وواجباً بالنسبة إلى الشركات التي تحرص على مواردها الاستراتيجية، والباحثة عن النجاح وتحقيق الأرباح. خاصة أن هناك الكثير من الدراسات المستقبلية التي تتوقع مستقبلا تحول الشركات إلى الاهتمام برأس المال البشري، وزيادة الاستثمار والاهتمام به؛ وبالتالي سوف يكون الانتقال إلى تلك الشركات أمراً وارداً خاصة من قبل المتميزين من الموظفين؛ وبالتالي سوف تخسر الشركات التي لا تولي اهتماماً بهذا الجانب موظفيها المتميزين.
وهناك تجارب عالمية رائدة في هذا المجال يمكن الاستفادة منها؛ فهناك الكثير من الشركات التي تولي راحة موظفيها وتوفير البيئة المناسبة وتلبية احتياجاتهم أهمية قصوى، التي تتنوع ما بين توفير وسائل الترفيه والأندية الصحية والمطاعم والعيادات الطبية وغيرها، حتى على مستوى غسل وكي ملابسهم فقد تجد ذلك في بعض الشركات متاحا لموظفيها، وبالمجان.
وفي المقابل هناك تجارب ممتازة لبعض الشركات المحلية مثل أرامكو السعودية وسابك، إضافة إلى مجموعة الاتصالات السعودية؛ حيث تم استحداث إدارة جديدة تهتم برأس المال البشري في مجموعة الاتصالات السعودية، تعنى بالاهتمام بالموظفين وتلبية احتياجاتهم، وتم رفع مستواها الإداري في الهيكل التنظيمي لتكون لها صلاحيات أقوى فيما يتعلق بهذا الجانب.
أخيراً، يجب أن نواجه تحديات القرن الحادي والعشرين مع بعضنا البعض جميعاً كشركات وموظفين. ولا نستطيع أن ننجح ما لم تتهيأ الشركات لمجابهة التحدي، وأن تضع أهدافها آخذه في الاعتبار أهداف وحاجات موظفيها، وتشكلها وتطوعها لتتكامل معاً في سبيل تحقيق أهداف الشركة. كما يجب أن تتضمن إعادة البناء بشكل فعَّال، وأن تأخذ في حسبانها الحقائق البشرية التي تؤثر في سلوك وتصرف الموظف. ويجب أن يجسد التغيير كعملية إدارية متكاملة، وبذلك يمكننا أن نتعامل مع متطلبات التغيير المستقبلية كأمور روتينية تماماً مثل المتطلبات المالية أو البشرية الجديدة. ويجب عليهم أن يشجعوا التصرف الثانوي الذي يركِّز على الدافع الذاتي والتحسين الذاتي والإبداع أثناء العمل لتحقيق أهداف الشركة. وفي مثل هذا النموذج للبيئة فقط يمكن لشركة أن تنجح وتتطور.
فهل سنرى في مقبل الأيام من شركاتنا المحلية زيادة الاهتمام بهذا الجانب، وتوفير بيئة العمل المناسبة؛ وذلك لرفع الولاء والرضا لدى العاملين، اللذين ينعكسان بدورهما على الكفاءة والفاعلية والإنتاجية؛ وبالتالي تحقيق النجاحات وجني الأرباح؟.
alaidda@hotmail.com