Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/02/2010 G Issue 13659
السبت 06 ربيع الأول 1431   العدد  13659
 
بياض الحوار وغسق الإجبار
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

قرر يوم الأحد الماضي، وهو خارج الوطن، أن يختصر من عمره ثلاثة أرباعه، ويعود شاباً لا تشغله التزامات المسؤولية أو قواعد الوقت؛ فجرب المرابطة عند الإنترنت؛ متنقلاً بين (المسن) و(الفيسبوك)، وتصادف أن ذلك اليوم هو (عيد الفلانتاين) الذي يمثل أزمة خطاب وعظي سنوي يتكرر فيه التحذير والتنفير والتبرير، ورأى صاحبكم - وهو يتابع التعليقات ويشارك فيها - حجم الهوة الفاصلة بين ما يقال من تعليمات وما يتم من ممارسات؛ تتبعها محاكمات قد تتجاوز الموضوعية؛ لأننا - ببساطة - نختبئ خلف أصابعنا، ويكفينا ألا نرى وردةً أو شعاراً أو لباساً باللون الأحمر؛ لنطمئن إلى اكتمال دورنا في (حماية جانب التوحيد).

يوم كامل أو قريب من بياض نهار وغسق ليل، والشباب يتحاورون ويتحسرون ويحكون عن أساليب التفافهم على قرارات لم يقتنعوا بها، ويظنون، ومعم حق، أن أزمنة الوصاية قد سادت ثم بادت، والعاقل يدرك أنه لا يستطيع ضمان سلوك ابنه وابنته وهما جالسان بجانبه؛ فوسائط الاتصال جعلت الوجه الهادئ هو المرئي والمعلن، وربما اختبأت خلفه نوايا وزوايا لم يعهدها آباؤنا فينا وما اعتادها آباؤهم منهم، وهنا فصل القول بين ما نريد أن نراه وبين ما هو موجود في الواقع، والفارق - لمَن وعى - كبير.

كل يوم تتسع المسافة الفاصلة بين التوجيه والاتجاه، وعما قريب لن تكون لغة الخطاب واضحة أو مفهومة بين المرسل والمستقبل؛ ما يجعل نظرية الاتصال تهوي داخل مصادر التشويش، ولا يبقى منها إلا وهم إبراء الذمة الذي نفترض فيه أداء الأمانة، وهنا مكمن الخطر والضرر؛ حيث تغير الجمهور ولم ينبدل النص ولا الممثلون.

حوارات امتدت ساعات بين الشباب، وكلها صوت واحد حانق على اعتقال الوردة؛ إذ لم يجئ حوار سابق مقنع لعقولهم ينتقلون فيه من طرفية الاستقبال السلبي إلى مركزية التفاعل الإيجابي؛ فأن يكون عيداً لسوانا غير كاف في زمن العولمة بل حتى قبلها؛ حيث تماهت الحدود الحاسمة بين الأمم، وقبل سنوات طويلة شهد مجايلونا من دارسي الغرب احتفالات أعياد الشكر والميلاد ورأس السنة والاستقلال والتنكر، ولم تتأثر عقائدنا قيد أنملة، وكنا حينها شباباً سبقنا زمن ما سمي افتئاتاً (زمن الصحوة)، واستطاع بعضنا - بسلوكهم لا بدعوتهم - تقديم صور وضيئة عن الدين والمجتمع الذي سنظل ننتمي إليه ونعتز به ولا نقبل المزايدة بشأنه.

تعرف صاحبكم - في أثناء إقامته بالولايات المتحدة - بمبشر دعاه إلى احتفالاتهم؛ فأجاب، ولم يخسر؛ فكان يسمع تراتيلهم ويقرأ في سره ما يحفظ من القرآن الكريم، ثم دعاهم وتلا عليهم سورة (الفاتحة) بطلب منهم؛ فظهر وظهروا كما أرادنا الله شعوباً وقبائل تتعارف، ولو شاء لجعلنا أمة واحدة؛ فهذه سنن الكون كما قدرها العزيز الحكيم.

شاركونا أعيادنا وشاركناهم؛ فتقاربنا ولم نتلاشَ فيهم مثلما لن يتلاشوا بسببنا، ويبقى أن يستمع الدعاة والتربويون والإعلاميون إلى أصوات الشباب كما هي لا كما يريدونها، وإلا فالغد مؤذن بافتراق بين همزات الواعين والغاوين ونفثات المخلصين والمخبصين، وليت (مركز الحوار الوطني) - الذي لم يضف شيئاً وإن أوهمونا غير هذا - يتبنى الحوار الصريح النائي عن الدعوات النخبوية والفنادق المخملية والتوصيات التي تضاف إلى التوصيات؛ لتتحول إلى كلام في كلام في كلام.

الحقيقة حبلى بالألم.



Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد