الوضع الذي يدور في منطقة الشرق الأوسط بخصوص موقف إيران مع المجموعة الدولية أقل ما يقال عنه أنه وضع خطير جداً.. ومن شأنه أن يسخن المنطقة ويضعها على صفيح
ساخن خلال الفترة القادمة.. ويبدو أن الجهود الدبلوماسية لم تثمر عن نتائج ذات ذي بال.. وكما يرى المراقبون فإن التحضيرات العسكرية وسيناريوهات الخيارات غير الدبلوماسية باتت مفتوحة على مصراعيها.. كما أن المجتمع الدولي يشهد حراكاً سياسياً غير مسبوق، ميدانه الأساسي عواصم الشرق الأوسط..
وجولة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون، ويتلوها نائب الرئيس الأمريكي بايدن، وربما تتلوها زيارات لوزير الدفاع الأمريكي وغيرهم من منسوبي الاستخبارات والبنتاجون سيعكس أن الاتجاه سيكون إلى مناخات عسكرية محتومة.. وهذه الإرهاصات يجب أن نقرأها على أنها أجواء تنبئ بحراك سياسي في مراحله النهائية.. وتعلن بداية العد التنازلي للتحضيرات العسكرية في المنطقة..
ولاشك أن حرباً جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في منطقة الخليج من شأنها أن تنعكس بقوة على وضع وخطط ومشروعات التنمية الوطنية في دول المنطقة.. ومن شأنها أن تنهك اقتصادات المنطقة، وتخلط الأوراق، وتبعثر الأولويات الوطنية والإقليمية.. لقد شهدت المنطقة مند الثمانينيات الميلادية عدة حروب، من بينها في الثمانينيات الحرب العراقية الإيرانية.. وفي التسعينيات حرب تحرير الكويت، وفي العقد الحالي (2003م) حرب الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين وسبقته حرب أفغانستان.. واليوم مع مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، نحن على أعتاب وإرهاصات حرب رابعة جديدة ستلقي بظلالها على كل المنطقة العربية والإسلامية، وعلى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام..
وموقف المملكة العربية السعودية كما نعرفه، وكما عبر عنه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في الأسبوع الماضي واضح وهو أننا ضد أي حرب جديدة في المنطقة، ويجب أن تعطى الجهود الدبلوماسية وضعها، ويجب تغليب العقل والحكمة على منطق الحروب والعسكريات.. والمملكة لها علاقاتها الأخوية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم ما قد يشوب ذلك من تشويش أو تعكير أو توترات.. ولكن الثابت أن موقف المملكة ثابت في كونها تقف وتعبر عن رأيها في العلن وفي غرف الاجتماعات الرسمية أنها مع استمرار الجهود الدبلوماسية والوصول إلى حلول سلمية بين إيران والمجموعة الدولية.. ولكنها في نفس الوقت تنصح إيران وتؤكد في أكثر من مناسبة إلى أنها يجب أن تتعامل بمسؤولية كاملة في هذه الأزمة، ويجب أن لا يكون هدفها هو إضاعة الوقت، وتسويف مستحقات الوضع الحالي.. ويجب أن تأخذ في الاعتبار أن المجموعة الدولية قد تصبر وتستمر في المفاوضات وتؤجل وتعطي فرصاً وجهوداً دبلوماسية ولكن إلى أمد معين.. وقد تأتي كل هذه الأمور من باب تصعيد المواقف، وبناء الحملة العالمية والرأي العالمي نحو إيران.. لتكون كل هذه الجهود هي شواهد على تزمت إيران، وتسويفها من أجل تحقيق هدفها في امتلاك أسلحة نووية..
دول مجلس التعاون الخليجي تقف في موقف واحد في كونها ترفض تحويل هذه الأزمة إلى أزمة منطقة، وتفرض تدخل ومشاركة دولها في مثل هذه الأزمة.. فدول المنطقة تساند أي جهد دبلوماسي من شأنه أن يحول دون تصعيد الأزمة وتحويلها إلى حرب جديدة في المنطقة.. كما أن من حق دول الخليج العربي أن تعلن وبصراحة وبشفافية أن الوقت لن يكون في صالح إيران، وأن ما نشاهده في كثير من عواصم العالم من موسكو وواشنطن ونيويورك ولندن وباريس وبرلين وبكين.. إلى باقي عواصم منطقة الشرق الأوسط هي إرهاصات، وسيناريوهات تبني لحملة عالمية ضد إيران.. حتى تكون الحرب مبررة، والخيار العسكري يبدو منطقياً أمام الرأي العام العالمي..
كما أن من حق دول مجلس التعاون الخليجي على إيران ألا تعبث بأمن واستقرار المنطقة، وتهدد سلامة وأمن الملاحة البحرية أو الجوية في المنطقة، ويجب ألا تفكر إيران أن تعاقب الدول العظمى التي تدخل معها في صراع وقتال عن طريق دول المنطقة وتهديد حكومات وشعوب منطقتنا العربية والإسلامية لمجرد الانتقام والعقاب الذي تريده للدول العظمى.. إن هذا المنطق هو نفس المنطق الذي كان ضمن حسابات الرئيس صدام حسين، حيث أراد أن يعاقب الدول العظمي بتهديداته لمنطقة الخليج.. وكأن منطقتنا بما نحمله من أواصر الأخوة والدم والعقيدة تتلاشى بين يوم وآخر جراء رغبة الانتقام من الدول التي تقف عدائية مع العراق أو إيران..
ما نريده من إيران في هذه المرحلة الحرجة وفي ظل التعقديات التي تطال عناصر هذه الأزمة هو التقدير الصائب للأمور، وأن تكون حسابتها منطقية وتصب في مصلحة إيران وفي مصلحة المنطقة العربية والإسلامية.. نريد من إيران أن تقرأ التاريخ جيداً، وتستفيد من الدروس التي فرضتها الحروب الثلاث السابقة.. ويجب أن تعرف إيران تماماً أن الجميع سيخسر في أي حرب جديدة في منطقتنا، ولكن إيران ستكون هي الخاسر الأكبر..
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية، أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa