تناول الزميل الدكتور عبدالله بن سعد العبيد مقالاً كتبته عن (شرط إتقان اللغة الإنجليزية) للعمل على أرض الوطن في رد له في صفحة عزيزتي الجزيرة يوم الجمعة 28-2-1431هـ العدد:13651، وكان رد الزميل مختلفاً في مجمله في وجهة النظر مع طرحي حول عدم شرعية اشتراط إتقان لغة أجنبية للعمل على أرض الوطن واختلاف ذلك مع مبادئ الوطنية..
لكن الزميل العزيز، الذي اجتهد كثيراً في تأييد شرط إتقان اللغة الإنجليزية من أجل الحصول على عمل، اختتم مقاله بعبارة تنسف الفكرة الأساسية في رده المهذب: (وهذه إسرائيل، الدولة التي تعتز بعبريتها.. تعتبر اللغة العربية لغة رسمية لديها)، ويكون النسف لأعلاه مما جاء في المقال لأن إسرائيل، التي قامت على الأرض العربية منذ 61 عاماً، تكونت بسبب هجرات غير متجانسة من الأعراق والثقافات إلى أرض فلسطين العربية، وتتحدث لغات مختلفة ومنها الألمانية والروسية والإنجليزية وغيرهم، لكنهم عندما إستقروا على الأرض المغتصبة اتخذوا من لغة مهجورة، وهي العبرية لتكون لغة الدين والسياسة والاقتصاد والعلم والعمل، ولم تشترط إتقان اللغة الإنجليزية للعمل لمواطنيها..
كان من الأسهل اقتصادياً وسياسيا وعلمياً للدولة العبرية أن يجعلوا من لغة العصر الإنجليزية اللغة الرسمية أو لغة العلم والعمل في المجتمع، فهم أولاً في الغالب مهاجرون غربيون، وثانياً يقدم الصهاينة دولتهم على أنها امتداد للحضارة الغربية في المنطقة، وأكثر دولة منتجة للأبحاث العلمية في الشرق الأوسط، ويأتي سبب اتخاذ اللغة العربية لغة ثانية بسبب عرب 48، أيضاً كندا تعتبر الدولة اللغة الفرنسية لغة رسمية في الدولة إلى جانب اللغة الإنجليزية بسبب مقاطعة كويبك الفرنسية، كذلك في بلجيكا وسويسرا توجد أكثر من لغة سمية بسبب الإختلاف الاثني بين السكان..، ويأتي هذه الاعتماد لأكثر من لغة كحق قانوني للاعتراف بتعدد الهوية داخل المجتمع، وبحق ممارسة العمل والتعليم من خلال لغتهم الأم..
اللغة هي الهوية والطابع الذي يتشكل ويبدع من خلاله الإنسان، ويأتي الاعتزاز باللغة الأم كجزء أساسي من الهوية، وحق طبيعي وفطري للإنسان لممارسة العمل والتعليم والإبداع من خلال لغته الوطنية، وسيطول طرح الأمثلة على إقرار اللغة الأم كلغة معتمدة في مجالات العمل والعلم، وحظر اشتراط لغة أجنبية للعمل على أراضي أوطانهم، لكن سأكتفي بالقول الموجز في أن كل دول العالم الأول والثاني، بدءاً من أقاصي شرق أوروبا إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، ومروراً بدول صغيرة في عدد سكانها مثل اليونان وفنلندا والنرويج، وكل دول أمريكا الجنوبية ودول نمور الاقتصاد الآسيوي كوريا والصين وتايوان، والعملاق القتصادي العالمي اليابان يطبقون هذا المبدأ، ويعتمدونه كأحد أهم مقررات الإنجاز التنموي..
هؤلاء يمثلون النخبة في سباق مسيرة التنمية الإنسانية، ولم يكن بالإمكان أن يتحقق الإنجاز التنموي إلا من خلال صهر المعرفة والعمل والعلم والثقافة في لغتهم الأم، فالإنسان أو المواطن يجب أن يتمتع بالحق الطبيعي في العمل من خلال لغته الأم، وأن لا يُفرض عليه إتقان لغة أجنبية للعمل على أرض وطنه..
كذلك يدخل عدم إشتراط لغة أجنبية للعمل في تلك الأوطان من أجل إلغاء حصر الكفاءة الذاتية في القدرة على إتقان لغة آخرى، وقد ورد شيئاً من ذلك في ردك عندما ذكرت حفظك الله: (أضحت بمثابة مؤهل لمن يريد الالتحاق بعمل ما، بل تجاوز الأمر ذلك بحيث أصبح من يجيد اللغة الإنجليزية، وهو الذي لا يحمل مؤهلاً علمياً مناسباً..، أو حتى لا يحمل مؤهلاً علمياً إطلاقاً.. أصبح لا يقبل بالوظائف المتواضعة كونه يجيد الإنجليزية).. ما طرحته أيها الزميل هو أحد المحظورات التي تأتي ضمن سياق عدم اشتراط إتقان لغة أجنبية للحصول على عمل في الدول المتقدمة..
ليست القضية مع حق تعلم لغة أخرى أو موقف ضدي للغة الإنجليزية، لكن مع اشتراط إتقان لغة أجنبية للحصول على عمل على أرض الوطن، وهو شرط بالإضافة إلى مخالفته لنواميس الطبيعة الإنسانية، يستحيل تحقيقه على أرض الواقع، لذلك ستظل فرص العمل لفئات محددة، وستصبح الغالبية تفقد فرص العمل والترقية والإبداع بسبب عدم قدرتهم على إتقان اللغة الأجنبية، كذلك لا يختلف هذا الشرط فقط مع أبعاد الهوية والإنتماء والمصلحة الوطنية والحق الطبيعي، ولكن أيضاً مع الحقيقة العلمية، فالقدرة على التحدث بطلاقة للغة أجنبية لا يعني على الإطلاق القدرة على الإبداع والإنتاج والنجاح، فالقدرة الكلامية علمياً تختلف من شخص إلى آخر لكنها غير مرتبطة بخاصية الإبداع والعبقرية، فالأهم هو القدرة الإبداع، وذلك أمر مختلف ويطول الحديث فيه، لكن من الخطورة أن يتم اعتبار إتقان لغة أجنبية مؤهلا علمياً أو ميزة للبعض في أن يصبحوا قادة في مجالات عملهم..