صدر عن دار الحروف في الكويت كتاب للدكتور مرسل فالح العجمي، أستاذ الأدب الحديث والدراسات اللغوية، في قسم اللغة العربية، بكلية الآداب جامعة الكويت. والكتاب بعنوان (الفن القصصي في الكويت) 2009. وقد قسَّم المؤلف كتابه إلى قسمين: قسم للقصة القصيرة، والآخر للرواية. وكلمة (القصة) تشمل النوعين؛ فالرواية في أصلها قصة، ولكن مع تطور الأجناس الأدبية وظهور النقد أصبح لها شخصية مميزة، وبقي المسمى علماً على القصة القصيرة والطويلة الخالية من شرط الرواية الأساسي (العقدة)، إضافة إلى النَّفَس الروائي، وقدرة الروائي على تمثل المواقف ودمجها في سياق الرواية. وللرواية بناء رأسي يتصاعد إلى أعلى الهرم، بينما تتخذ القصة والسيرة بناء أفقياً ممتداً؛ فالقص في مجمله حكاية لها بداية ونهاية، لكن الرواية لها بداية ونهاية وبينهما عقدة روائية، اصطلح عليها في عالم النقد الروائي الحديث (Plot)، التي تعني (الحبكة)، وذلك ما لا يوجد في القصة القصيرة، وهذا ما لم ينتبه إليه الباحث في دراسته؛ حيث عاملها بالبداية والنهاية فقط. وهنا تختلط بالقصة.
يذكر الباحث أنه درس سبعين رواية كويتية، على مدى أربعة عقود من الزمن، بدأت برواية للكاتب فرحان راشد الفرحان، بعنوان (آلام صديق) 1948م، ووضع المؤلف كلمة رواية بين قوسين صغيرين، وعلق الباحث على هذا العنوان بقوله: لأنها كتبت بطريقة متواضعة إلى حد بعيد. وفي اعتقادي أن المؤلف لم يفرق بين الرواية وأنواع السرد الأخرى؛ حيث كان يطلق مسمى رواية على أي سرد قصصي، انطلاقاً من جذر الفعل العربي (روى)، ثم يعلن الباحث خطته في البحث، بإعلان الحقب التي مرت بها الرواية في الكويت؛ حيث بدأت في مرحلة الخمسينيات، التي أرخها بأول رواية ظهرت بعنوان (آلام صديق)، كما ذكرنا، ثم عقد الستينيات، الذي صدر بروايتين، هما: قسوة الأقدار، لصبيحة المشاري 1960، ومدرِّسة من المرقاب، لعبدالله خلف 1962. أما المرحلة الثالثة، وهي عقد السبعينيات، فقد أفرزت ثلاثة أسماء، تفاوت إنتاجها الروائي، من حيث الكثرة والفنية، وهذه الأسماء هي: فاطمة العلي، في روايتها (وجوه في الزحام)، ونورية السداني، في روايتيها (العبور، وواحة الحرمان)، وإسماعيل فهد إسماعيل، وهو الأغزر إنتاجاً؛ فقد أنتج ست روايات، بدأها بروايته (كانت السماء زرقاء)، وقد أولاه الباحث عناية خاصة.
لقد وضع الباحث ثلاثة أحكام نقدية، وضعها على شكل مستويات نقدية تقنينية:
الأول: النضج الفني للروايات المدروسة، مقارناً إياها بمستوى النضج الفني للرواية العربية المعاصرة.
المستوى الثاني: درجة احتشاد وجدية الكاتب في التعامل مع الكتابة الروائية.
المستوى الثالث: تمثل الكاتب للموضوعات الروائية، وتمكنه من التقنيات السردية.
وعند تطبيق هذه المعطيات النقدية لاحظ الباحث أن قليلاً من كُتّاب هذه الحقب الثلاث كانوا يحتشدون بجدية تامة للكتابة الروائية؛ ولهذا تمكنوا من تمثل الموضوع الروائي بصورة جيدة من جهة، ومن تقديم العالم الروائي عبر تقنيات سردية متطورة من جهة أخرى على يد هذه القلة، التي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، والتي كتبت روايات كويتية تضارع وتنافس أنضج الروايات العربية. وبالرغم من ثقة الباحث في الرواية الكويتية - على حد تعبيره -، ولا نختلف معه في كثير مما أورد، إلا أن هذا الرأي سابق لأوانه من جهة، ويحتاج إلى إيراد نصوص من دراسات الرواية العربية للدليل على القول العلمي، ولاسيما أنه ذكر المقارنة، ولم يورد رواية عربية واحدة، أو بحثاً واحداً في الرواية العربية، وعددها كثير، فما يزال الرأي نظرياً. أما الثنائيات التي كررها مرات عدة، كاتب/ كاتبة، فلا أرى لها داعي في بحث علمي، والأصل في اللغة التذكير، ما لم يكن هناك مناظرة تستدعي هذه الثنائية.