قدم السفير السعودي في لبنان علي بن عواض عسيري، مؤلفاً قيماً ومدعماً بالوثائق عن دور المملكة العربية السعودية الإيجابي والناجح في مكافحة الإرهاب من خلال كتابه المعنون ب(مكافحة الإرهاب ودور السعودية في الحرب عليه) الصادر عن دار إكسفورد للنشر، وتأتي القيمة العلمية والفكرية لهذا الكتاب لكونه انطلق أولاً من التخصص والخبرات المتراكمة لمؤلفه السفير علي عسيري في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، حيث كان المؤلف مسؤولاً عن أمن السفارات والممثليات السعودية حول العالم لسنوات طويلة، ثم ومن خلال موقعه كسفير سابق للمملكة في باكستان وأفغانستان في أصعب السنوات وأحرجها وتحديداً منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 ولمدة 8 سنوات، وكانت الحرب على الإرهاب في أوجها في تلكما الدولتين، وهي تجربة غنية أكسبت المؤلف خبرات عملية واسعة وعميقة انعكست على المادة العلمية للكتاب.
ثم تأتي أهمية الكتاب من خلال اعتماده على توثيق المعلومات من مصادرها الأساسية بدقة وحيادية، حيث استقى المؤلف الكثير من المعلومات من أرشيف وزارة الداخلية السعودية ومن بعض بياناتها المعلنة في الإعلام، إضافة إلى مراجعة دولية استقاها من طروحات غربية مرموقة لأشخاص متخصصين في هذا المجال وهذا التوثيق المعلوماتي كان حجة الكتاب ومصدر قوته في مواجهة (اللوبي) الذي يربط الإرهاب بالإسلام، كما أن توثيق التجربة السعودية وتسليط الضوء على إستراتيجيتها الناجحة في الحرب على الإرهاب عسكرياً وفكرياً سيساهم بشكل كبير في الرد على الادعاءات التي تتهم السعودي في التهاون أو القصور في مجال مكافحة الإرهاب، وستقدم حلاً لأزمة الفهم الغربية حول هذا الموضوع، كما لم يفت على المؤلف أن يشير في كتابه إلى الدور الفاعل للإعلام السعودي في تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى أعضاء التنظيمات الإرهابية والمتعاطفين معهم والذين غرر بهم، ورفع وعي المجتمع تجاه هذه الظاهرة، كما سلط الضوء بحيادية على الإجراءات العلاجية وبرامج التأهيل والمناصحة، فقد تضمن الكتاب عرضاً مفصلاً عن الإستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب المبنية على ثلاث قواعد رئيسية هي الوقاية والعلاج والرعاية بعد إعادة التأهيل، وتطرق الكتاب إلى مشاكل الفهم الغربي الخاطئ للإسلام بسبب ممارسات وأعمال إرهابية ألصقت بالدين الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر، ويخلص المؤلف إلى أن الإرهاب لا دين له، فهو ظاهرة ابتليت بها جميع الأديان والمجتمعات وعلاجها واجب على المجتمع الدولي وليس مقصوراً على مجتمع أو دولة بحد ذاتها.
وعلى الرغم من أن هذا الكتاب الصادر عن دار إكسفورد للنشر قد لاقى رواجاً ونفدت طبعتان منه ويستعد الناشر لإصدار طبعته الثالثة، إلا أن المأخذ عليه برأيي هو أنه صدر فقط باللغة الإنجليزية، مما يعني حرمان القارئ والمكتبة العربية منه، ومع تقديري لرأي المؤلف السفير علي عسيري الذي قال فيه: (بأن الغاية الأساسية من الكتاب هي التوجه للقارئ الغربي الذي تأثر سلباً بأحداث 11 سبتمبر تجاه العالم الإسلامي، وأنه من الأفضل التوجه لرأي العالم الغربي بلغته وأسلوبه لإفهامه حقيقة الأمور بالحجة والبرهان).. إلا أن هذا الرأي لا يتعارض إطلاقاً مع إصدار النسخة العربية من الكتاب، بل ستكون إضافة جيدة للمكتبة العربية، فالعالم العربي على المستويين الرسمي والشعبي يشهد الكثير من الحراك الفكري والثقافي والاجتماعي حول موضوع الإرهاب بكل تفاصيله، ونلحظ ذلك بكل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والطروحات الإعلامية، فتعقد حوله الندوات والنقاشات والبرامج الحوارية، إضافة إلى البحوث والدراسات بالجامعات والمراكز المتخصصة، فلا يجب أن يقتصر الكتاب على القارئ الغربي كما أنه من المهم أيضاً أن يترجم الكتاب بلغات الدول التي تعاني من ظاهرة الإرهاب ليساعد الباحثين والمفكرين في تلك الدول على علاج هذه الظاهرة مستفيدين من الإستراتيجية السعودية في مكافحة الإرهاب التي وردت في الكتاب.ومع تقديري الشديد للجهد الفكري والأدبي الذي بذله المؤلف في إخراج هذا الكتاب إلا أنني أتقدم بهذه الفكرة وكلي أمل أن تجد صداها لدى المؤلف ولدى كل المهتمين بهذا الشأن.وعلى دروب الأمن الفكري نلتقي.