حصلت المملكة على تصنيفين ائتمانيين خلال أقل من شهر.. الأول كان وكالة فيتش العالمية المعروفة.. وتبعتها قبل يومين موديز التي لا تقل وزناً عن الأولى حيث قامت الأخيرة برفع التصنيف الائتماني إلى Aa3 من A1.. ويعتبر ذلك قفزة كبيرة برفع التصنيف الائتماني يعود لأسباب تمحورت حول قوة النظام المالي للدولة وكذلك متانة النظام المصرفي.
لكن ما يهمنا اليوم أن هذه التصنيفات الإيجابية والنظرة المستقرة لاقتصاد المملكة تأتي في وقت ما زالت عاصفة الأزمة المالية العالمية تواصل انتشارها وتخلخل بقوتها دولاً كاليونان وتهز مضاجع منطقة اليورو التي تعتبر ثاني قوة اقتصادية عالمياً.. بينما ما زالت أميركا تحاول تضميد جراحها ولا تقل معاناة اليابان عن منافسيها العالميين.. وبهذا نجد أن في مثل هذه الظروف الصعبة فإن إبراز مكامن القوة الاقتصادية لأي دولة سيكون له أثر إيجابي أكبر مما لو أتى بوقت تكون الحالة الاقتصادية العالمية طبيعية ومستقرة.. فهنا يكون بروز الدول وانتشار الأخبار حولها أوسع.. وبالتالي تصبح محط الأنظار من قبل المهتمين بالاستثمار ليكون لها نصيب الأسد بالتركيز على الفرص المتوفرة بها.
ومما سينعكس إيجاباً من هذه التصنيفات أنها تعطي القدرة للمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية بالحصول على التمويل الذي تحتاجه من الأسواق العالمية بشتى طرق التمويل بيسر وسهولة نظراً لقوة الدولة الاقتصادية بخلاف انخفاض التكلفة أيضاً لأن التصنيف كلما ارتفع انخفضت المخاطر المترتبة على التمويل.. وبالتالي التكلفة.. ومن هنا يكون إنشاء المشاريع التي تتطلب تمويلاً كبيراً تشارك فيه بنوك محلية وعالمية بعمولة أقل.. وهذا ينعكس بالإيجاب على سرعة الإنجاز لتوفر المال المطلوب.. وبتكلفة أقل وتستفيد من هذا التصنيف كبرى الشركات الحكومية خصوصاً التي تساهم بها الدولة بحصص كبيرة كسابك والاتصالات والكهرباء وغيرها من المشاريع الحيوية التي يجري العمل على إنشائها كالسكك الحديدية ومشاريع النقل عموماً وغيرها من التي تتولى الحكومة إنشاءها عبر المؤسسات الحكومية.
كما أن له انعكاساً إيجابياً على الاستثمار بالمملكة ثقة بأوضاعها القوية.. فالتصنيف السيادي الذي تصدره الوكالات العالمية المعروفة يعتمد على جانبين رئيسين هما: الاستقرار السياسي وكذلك قوة الموارد المالية التي تتمتع بها بخلاف احتياطياتها الضخمة قرابة 1570 مليار ريال سعودي وسياستها المالية التوسعية وكذلك النقدية المرنة مع خروج البنوك والمصارف السعودية من براثن الأزمة بأقل الخسائر قياساً بغيرها من البنوك عالمياً وإقليمياً.. وهذا ما أكده معالي محافظ مؤسسة النقد في مؤتمر جدة الاقتصادي المنعقد حالياً.
كما أن تركيز مراجعة التصنيف للمملكة بشكل دوري مستمر يعبر عن اهتمام كبير ووضوح أكبر بإمكانيات المملكة عالمياً وتقدير مميز لامتيازات اقتصادية تتمتع بها وفرص واعدة فيها مدعومة باحتياطات نفطية تفوق 264 مليار برميل تنتج سنوياً منها 3 مليارات برميل وبالرغم من تقلب الأسعار الكبير إلا أن المملكة لم تتأثر بذلك وبقيت محافظة على قوتها المالية.. فلا بد من استثمار مثل هذه التقارير الإيجابية على كافة الأصعدة بجذب الاستثمارات من جهة.. ودعم المؤسسات الحكومية للحصول على احتياجاتها من المال عالمياً لتنفيذ أبرز المشاريع الحيوية في هذه المرحلة التي تشهد انخفاضاً بالتكاليف وإمكانية الحصول على التقنيات اللازمة لتوطينها بالمملكة نظير حاجة أغلب الشركات العالمية لتنشيط عملياتها هرباً من آثار الأزمة العالمية عليها.
وعلى الرغم من أن وكالات التصنيف واجهت أزمة ثقة بعد انفجار الأزمة المالية العالمية ووضعت مصداقيتها على المحك من خلال إعطائها لتصنيفات على منتجات بالأسواق العالمية اتضح أنها كانت غير دقيقة أضرت بالاقتصاد العالمي بشكل عام.. والمستثمرين بشكل خاص.. إلا أنه يبقى لتصنيفاتها أهمية كبيرة ولا بد منها بالمرحلة الحالية والمتوسطة على أقل تقدير إلى أن تظهر صيغ جديدة تقوم على أساسها هذه الوكالات بإعادة طرق تعاطيها بشكل أفضل خصوصاً أن ملفها أصبح على طاولة مجموعة العشرين وتخضع الآن لرقابة أكثر من السابق حتى تعود للمستوى الذي يعيدها للإسهام بخدمة الاقتصاد العالمي بشكل إيجابي خصوصاً أن الأزمة المالية العالمية أبرز ما أفرزته إعادة تصحيح عمل المؤسسات المالية بكل أنواعها بشكل مختلف عن السابق.