Al Jazirah NewsPaper Saturday  13/02/2010 G Issue 13652
السبت 29 صفر 1431   العدد  13652
 
مفارقات لوجستية
غثاء المراجعين
د. حسن عيسى الملا

 

الكل استمع إلى توجيهات خادم الحرمين الشريفين للوزراء والمسؤولين أكثر من مرة بضرورة الاهتمام بشؤون المواطنين وتسهيل إجراءات معاملاتهم، ووضع حد للشكوى المزمنة من الروتين والمحسوبية وعدم الشفافية والتعليمات المكتوبة والشفوية حبيسة الأدراج التي تظهر وتختفي تبعاً للسلطة التقديرية المطلقة للموظف.

لجان تشكل هنا وهناك وعلى عدة مستويات لدراسة هذه الشكوى المزمنة، وتنتهي إما إلى تقليص معاناة المواطن أو إلى مقولة (كله تمام يا أفندم).

ولأن المكابدة هي واعز المبادرة، ولأن التجربة هي مسبار الحقيقة فإني أشير على كل مسؤول أن يحاول شخصياً أو عن طريق من يثق في نزاهته أن يجرِّب الحصول على خدمة من خدمات وزارته أو جهازه الإداري، كمواطن عادي ليتعرف بالتجربة وعن كثب على مستوى الخدمة التي تقدمها الجهة التي يرأسها، وأسلوب تقديمها، وعن حجم المعاناة في سبيل الحصول عليها، والمدة الزمنية التي تقتضيها وعلاقة ذلك بمزاج الموظف أو غيابه، وعدد التواقيع اللازمة لها، وما هي الإجراءات الإدارية المتبعة لتقديمها، وما هو أساسها القانوني، وهل تنجز معاملات المواطنين حسب تسلسل تاريخ تقديمها؟!

حينذاك قد يكتشف المسؤول، أن العيب قد لا يكون في أداء الموظف، وإنما في كثرة وتضاد الأوامر والتعليمات التي تكبّل أداءه، أو تهيئ لها مناخ الانتقاء منها حسب الحالة، وقد يكون ترهل بعض الإدارات والتخمة في عدد موظفيها في مقابل النقص الشديد في عدد موظفي إدارات أخرى لها علاقة بمعاملات المواطنين.

ترى، ما هي التجربة الثرية التي سيحصل عليها مثلا مدير عام الخطوط السعودية لو أنه أنهى إجراءات سفره بنفسه واستقل الطائرة على الدرجة السياحية دون التعريف بشخصه، وفعل مثله مدير إدارة المرور فافتعل حادثا، أو تقدم رئيس محكمة بدعوى تعويض عن ضرر أو حاول مدير عام الجمارك تخليص بضاعة له، أو أن وزير التعليم العالي استعان بمن يثق به ليقدم طلب ابتعاث للدراسة في الخارج، وسأقف عند هذا، وللقارئ الكريم القياس.

ربما أغنت هذه التجربة عن كثير من الدراسات وعقد الاجتماعات واللجان التي تُشكّل لها لجان، وللذين يشككون في استمرار معاناة المراجعين للدوائر الحكومية أسأل لماذا يلجأ الواحد منا للبحث عن أحد معارفه في جهاز إداري ما، إذا ما احتاج لخدمة فيه؟ بدلاً من سلوك الطريق النظامي للحصول على تلك الخدمة.

يقال: إن الحكومة الإلكترونية هي الحل، وأن المواطن لن يحتاج عندها إلى مراجعة الإدارات لإنهاء المعاملات، وأسعد عندما أرى بعضا من تطبيقاتها في وزارة الخارجية أو إمارة الرياض، وآمل أن تنتشر في جميع الإدارات ليرتاح الموظف من (غثا) المراجعين.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد