تحليل: وليد العبدالهادي
عاد الحديث مطلع هذا العام عن مدى نجاعة خطط الإنقاذ التي طرحت مطلع 2009م في الأسواق الأمريكية خصوصاً المصرفية والعقارية، وبدأ المراقبون ينقسمون على أنفسهم هناك حول إمكانية أن يشتد سعير الأزمة من جديد أو المواصلة قدماً نحو النمو، لكن لو أخذنا أشعة مقطعية لهذين القطاعين خصوصاً وأنهما المذنبان في الأزمة لكن قبل ذلك هناك مؤشرات تم رصدها بهذا الخصوص تعزز من القدرة على التنبؤ ومعرفة نسبة احتمال عودة الأحداث القديمة في 2008م:
مؤشرات تم رصدها:
عمليات إقراض حدثت بين عامي (2005-2007م) آجال استحقاقها بدأت تتقارب وستضع البنوك في عنق زجاجة بين عامي (2011-2013م) وأي تراجع في الثقة في سوق الإقراض سيضعف من قدرة البنوك على تمديد هذه الآجال أما إجمالي خطة الإنقاذ الأمريكية بلغت 1.25 ترليون دولار وموعد بدء السحب مارس القادم. وبشأن النتائج المالية للبنوك أظهرت أن شريحة منها مثل (بنك أوف أمريكا) اعتمدت بشكل كبير على خطط الإنقاذ وأي سحب لها سيحدث كارثة مصرفية، ويذكر أن بنك أوف أمريكا أكبر بنك من حيث الأصول حيث تلقى 138 مليار دولار أما سيتي جروب حظيت بحوالي 351 مليار دولار، وبنوك أخرى عكفت على خفض التكاليف ونجحت وهناك من لم يتعلم من الأزمة ولا يزال يخاطر في الاستثمار مثل (جولد مان ساكس). ونذكر أن القطاع المصرفي لم ينه هيكلته وهناك حلول بديلة تحث على إرغام البنوك على التخصص في النشاط أكثر مما سبق وهناك توجه بتجزئة المصارف إلى كيانات صغيرة لتحجيم المخاطر مستقبلاً خصوصا أن أوروبا وأمريكا وبريطانيا دخلت منطقة الانكماش التضخمي المصرفي رسميا في 2009م. أما حجم الأصول السامة في 2009م (1.4 ترليون $) وتوقعات تشير بوصولها إلى (2.2 ترليون $) في 2010م مما قد يصيب المصارف بالتصحر ويصبح القطاع أجوفاً من الداخل ومخيفاً من الخارج.
يبدو أن برنامج شراء الأصول لم يفلح وحتى عمليات الدمج والإفلاس والشراكات لم تفلح أيضا ودافعي الضرائب لن يكونوا أوفياء هذه المرة، والمخرج الوحيد للحكومة والمصارف إصدار سندات طويلة الأجل وهذا سيحد من نمو الائتمان فترة طويلة وسترتفع تكلفة التمويل وبالتالي سعر الفائدة نظراً لانخفاض العملة المستمر خصوصاً أن 55% من التجارة العالمية مقومة بالدولار الأمريكي وهنا نكون قد دخلنا في الانكماش التضخمي وهو أسوأ الدورات الاقتصادية. والمشكلة أن العملات الرئيسة بما فيها الدولار لم تعد ذات قيمة والتوجه للسلع ملحوظ هذه الأيام مما يشكل ضغطاً كبيراً على المصرفيين حيث فقد الدولار من 2000م ما يقارب 45% أمام سلة عملاته، ويتوقع أن يكون هامش الإقراض في السنوات القليلة القادمة دون الضعف (1-1) وسط جهود حثيثة لخفض مستوى الرفع المالي وهي من مخلفات النصف الأول من العقد الماضي.
لكن دعونا نطابق هذه المؤشرات الضمنية والمرصودة مع أرقام فعلية خرجت من بطون هذه الأسواق وهي:
السوق المصرفي:
يظهر الجدول رقم (1) أرقام مبسطة تشخص أداء سوق الائتمان في ثلاث قارات والواضح أن عام 2008م كان قمة مستويات الائتمان فمثلاً في أمريكا ارتفع معدل نمو الائتمان للقطاع الخاص 13.5% مقارنة بعام 2007م، ودخلت خطط الإنقاذ هذا السوق مطلع 2009م ولم تتمكن إبقاء المعدلات فوق خط الصفر أي في منطقة الانتعاش بل ظهرت في منطقة الانكماش حتى لحظة كتابة هذا التقرير حيث يبلغ معدل التراجع في سوق الائتمان الأمريكي 8% في يناير من نفس العام إذن برنامج شراء الأصول السامة لم يسعف هذا السوق حتى الآن ربما لعبه لدور المخدر.
أما في الجدول رقم (2) يوضح لنا بشكل أعمق كيفية تعامل التنفيذيين المصرفيين مع خطط الإنقاذ الأمريكية وارتداد أسواق الأسهم هناك، حيث يؤكد الجدول أنه ومنذ نهاية 2008م وحتى أكتوبر الماضي يعاني سوق الائتمان من تراجع مستمر لم يتوقف في الوقت الذي نجد فيه نمواً مستمراً في استثمارات ونشاطات البنوك في الأسواق المالية وهذه إشارة قوية ببعد البنوك عن عملها الأساسي وهو الإقراض رغبة في الاستفادة من شهية المخاطرة في أسواق الأسهم.
بينما يتيح الجدول رقم (3) بشكل مفصل نوعية الشريحة المستهدفة في الإقراض ومعدل أدائها والذي يبدو أنه يتحرك في منطقة الانكماش حيث معدل النمو يظهر بالسالب منذ بدء ضخ السيولة في برنامج شراء الأصول المتعثرة وحتى الآن لم يتغير شيء سوى أن القروض الاستهلاكية تحسنت قليلاً مع تحسن مؤشر الائتمان للمستهلك الفرد.
السوق العقاري:
لا يزال القطاع يتحرك ضمن منطقة الانكماش منذ 2007م على الرغم من الارتداد الكبير في أسعار المنازل القائمة وحديثة النشأة والملفت أن الأسعار التجارية للقطاع أداؤها سيئ جداً مقارنة بالسكنية ويبدو أن ما حدث كان (لعبة أسعار) وفي الوقت الذي ترتفع أسواق الأسهم كما رأينا امتنع الكثير هناك عن بيع منازلهم حتى البنوك احتفظت ببعض هذه الأصول مع عودة الثقة المؤقتة والحذرة في الأسواق.
وأخيراً نذكر أن عدد البنوك الأمريكية المنهارة في عام 2009م وصلت إلى 133 بنكاً ومرشحة للوصول إلى 176 بنكاً لكن هل ستكون من المصارف القيادية وماذا سيكون موقف الحكومة الأمريكية من دافعي الضرائب وهل ما حدث في 2009م كان فرصة ذهبية للتخارج ومن هو الضحية الجديدة؟