تحقيق - عبدالله المحيسن
لم تجد البقالات الصغيرة المتناثرة في الأحياء بداً من مقارعة الماركات الكبيرة ومنافستها.. فقد حاول كثير منها المقاومة والبقاء على أقل تقدير في وجه الهايبرات العالمية المنتشرة في الأحياء وكان أن كتب لها النجاح في مقارعة الكبار وفي المقابل هناك بقالات ماتت ولم تقم لها قائمة.. الأذكياء هم من بقوا.
(الجزيرة) تجولت داخل هذه المحال لمعرفة (الحال) التي وصلت إليه بعد الانتشار الكبير للمجمعات التجارية الكبيرة والتي بدت تزحف في معظم الأحياء وكان هذا التحقيق..
السلف أعاد للبقالات توهجها
في البداية التقينا (أبو أحمد) وهو بائع في بقالة وسط العاصمة ويقول: بقالات الأحياء في السابق هي المتجر الوحيد لجميع المتسوقين حيث تتنوع المبيعات بين التفريق والجملة وكنا نتفنن في أسعار بيع التفريق إلى أن جاءت أسواق المواد الغذائية الكبيرة فجذبت المشترين بكل اتجاهاتهم التجزئة والجملة فمرت السنوات الماضية بوضع حرج على البقالات إلى درجة أن هناك من اخترع سبلاً في إعادة رونق هذه البقالات عبر وسائل عديدة ولعل أبرزها توصيل المنازل والبيع بالآجل أي عند تسلم الزبائن لرواتبهم نهاية الشهر ويؤكد أن هذه السبل ساهمت في بقاء البقالات بل وانتعاشها عما كانت عليه في السابق.
ويشارك البائع مرتضى نور برأيه حول حال الدكاكين الآن فيقول: الآن هناك انتعاش بدليل وجود الزبائن ويرجع ذلك إلى اللجوء إلى (الدين) وهو فتح حسابات للزبائن من أهل الحي لشراء ما يريدون وتسجيله عليهم إلى نهاية الشهر وتحديداً عند استلامهم لمرتباتهم ويرى أنه هو السبب في انتعاش سوقهم خاصة أن أسواق التموينات الكبيرة لا توفر خدمة الدين وفتح حسابات لعملائها.
أما زهير سلطان فيرى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية أعاد عملاءهم القدامى وأوجد عملاء جدد.. وأضاف أن بيع الدين أصبح أكثر من السابق.
انتقاء الزبائن
نور خان بائع في بقالة صغيرة (فتحة واحدة) شرق العاصمة وزبائنه عشرون شخصاً من أهل الحي ويقول: العدد كبير وقد اقتصرت على من أثق بهم فقط بينما من يريد الدين من أهل الحي كثر.. ويضيف: الدين سلاح ذو حدين فإما أن يحقق فائدة كبيرة للمحل ويحرك البضائع المتكدسة أو تكون خسارة كبيرة في عدم تسديد من الزبائن، وعن متوسط الحساب لكل شخص قال نور: بحدود 600 ريال لكل شخص وأكد أن المبالغ المتحصلة تمثل دخلا قويا للبقالة كما أنه يحسن علاقتي مع سكان الحي الذين ألتقي بهم في الشارع والمسجد، وأضاف أن عدداً قليلاً من الجيران هجروا البقالة إلى بقالات أخرى نتيجة رفضي لهم!.
وعن الذين يتأخرون عن السداد يقول نور: عدد قليل لا يذكر يتأخر عن السداد وهناك ديون صغيرة لا تتجاوز الخمسين ريالاً لأشخاص لم يسددوا.
ويؤكد أن الزبون الذي ينتظم بالسداد مكسب كبير للبقالة لأن الموزعين أتاحوا لنا أيضاً فرصة للشراء بالآجل الأمر الذي جعلنا نفتح المجال أمام زبائننا للدين.
تسويق منتهي الصلاحية!
والتقينا بماجد المليكي بائع في إحدى البقالات ويقول: جميع البقالات تفتح حسابات للدين ومن لا يدين فهو بالتأكيد سيكون خاسراً.. ويضيف: معظم سكان الحي لا توجد لديهم سيولة بعد خمس أيام من تسلم الراتب والبقالة تضطر إلى قبول الدين خاصة إذا كانت صلاحية بعض المواد على وشك الانتهاء ولأجل تحريك البضائع وفي المقابل أكد احتمالية الخطورة الكبيرة من عدم السداد موضحا أن هناك ديونا لم يتم تحصيلها من بعض الزبائن لكن هذا الأمر لا يجعلنا نغلق باب الدين عن بقية الزبائن رغم وجود من يماطل ويتهرب عن السداد فالضرورة في تحريك البضائع يجبرنا على تخطي العقبات. وأضاف ماجد: توصلت لطرق جيدة للحد من الزبائن المخادعين منها أنني في بداية معرفتي مع الزبون أقول له إن الدين لك له مبلغ محدد لا أستطيع تجاوزه حسب تعليمات الكفيل ويكون المبلغ في حدود 300 ريال فإن رأيت الزبون منتظم في السداد رفعت له حد الدين إلى أن يتجاوز 2000 ريال وقد نجحت هذه الطريقة في كشف عدة أشخاص و تم تقليص الخسارة وهناك طريقة أخرى اكتشفتها عن طريق الملاحظة وهي أن الشخص الذي يشتري أي شيء ولا يدقق على حساباته ويعيد جمعها بعد فترات قصيرة لا نية له بالتسديد أما الشخص الذي يدقق و»يكاسر» فهو شخص ينوي السداد وقد أفادتني هذه الطريقة في التدخل بإقفال الدين عن بعض الزبائن وحدت من الخسائر المحتملة والطريقة الثانية هي نتاج خبرة طويلة مع الدين والزبائن، وأضاف ماجد أنه من الصعب جدا الحكم على الشخص مهما كانت مدة العلاقة والشخصية لوجود أشخاص خالفوا التوقعات!.
جيرة ولكن في حيرة!
أما سعود عبدالله بائع بقالة سعودي فيقول تربطني مع سكان الحي جيرة 25 سنة الأمر الذي شجعني على فتح بقالة مستفيدا من علاقاتي الشخصية مع الجيران ولكني ندمت على فتح البقالة نتيجة الدين فبعد الجيرة الطويلة أصبح بعض الجيران لا يسلم علي ويتهرب مني فمنعت الدين رغم ما فيه من فائدة مادية لأن الدين يسبب العداوة والضغينة بيني وبين الجيران واقتصرت على 5 أشخاص وإن كان هناك ركود كبير بعد عشر أيام من الرواتب إلا أنني حافظت على البقية الباقية من العلاقات الطيبة مع الجيران.
ويشاركه بالرأي نصير صابر ويقول: هناك إمكانية تساعد البقالات على الدين وهي أن بعض الموردين يبيعون على البقالات بالآجل وبعضهم يبيع على نفاذ الكمية كما أن هناك عروض مربحة من الموردين للبقالات التي تشتري كميات كبيرة.
ويقول نصير: لا نمانع في فتح حساب لأي شخص لو وجدت لدينا ضمانات كافية في التسديد. وتابع نصير قوله: إن هناك عتباً ننقله لزبائننا وهو أننا لا نراهم إلا بعد منتصف الشهر لأنهم يذهبون للسوبر ماركات الكبيرة وقت الراتب ولا يعرفوننا إلا عند الدين وهناك من يخجل منا ويجاملنا بزيارة أو زيارتين بالكاش ومنهم من يهجرنا إلى وقت الحاجة.
الغلاء أعادنا للبقالات
وفي النهاية التقينا عدداً من المواطنين زبائن هذه البقالات وسبب بقائها وانتعاشها حيث يقول عبدالإله عناد: مرت علي فترة طويلة وأنا أتسوق من المتاجر الكبيرة التي تتوفر فيها جميع الأصناف الغذائية ومع ارتفاع الأسعار ووقوعنا أسرى للقروض البنكية التي ذهبت في الأسهم؛ اضطررنا للعودة إلى البقالات والاستدانة منها وأخذ اليسير وبخاصة المواد الأساسية وما يتناسب ودخلنا.
قلة السيولة تدفعنا للدين!
أما أبو يوسف وهو أحد زبائن بقالات الأحياء فيقول: أكثر سكان الحي يفتحون حسابات في البقالات ليس لقلة في المداخيل ولكن لتسهيل الدفع لأنه يكون مرة واحدة.. ويضيف: حرصت على فتح حساب بعد موقف تعرضت له حيث ابتلعت آلة الصراف الآلي بطاقتي فترة إجازة البنوك الأمر الذي جعلني أمر بموقف صعب قررت بعدها مباشرة فتح حساب في البقالة المجاورة.. بينما يقول أبو فيصل: عدم توفر السيولة في أي وقت يجعلني أتجه إلى الدين من البقالة وأحيانا أتكاسل عن الذهاب للصراف الآلي وفي أحيان لا يتوفر المبلغ المطلوب لذا أرى أن الدفع مرة واحدة هو الأفضل.. وعن سبب انتظامه في التسديد قال: صاحب البقالة قدم لي خدمة ويستحق الوفاء والشكر كما أنني أعرف نفسي فأنا أحتاج للدين باستمرار فإذا لم ألتزم فإن الخاسر في النهاية هو أنا.