Al Jazirah NewsPaper Saturday  13/02/2010 G Issue 13652
السبت 29 صفر 1431   العدد  13652
 
مجداف
أزمة دبي والسوق السعودية
فضل بن سعد البوعينين

 

عصفت أزمة دبي بالأسواق المالية العالمية قبل أن تعصف بالبورصات العربية الهشة. شبح التعثر ما زال قائماً حتى اليوم، والقطاعات المصرفية تسابق الزمن لأخذ مخصصات ضخمة يمكن أن تحميها مستقبلاً من تقلبات الظروف. هدأت الأزمة ولم تنته، ومساهمة حكومة أبوظبي السخية نجحت في تأجيل الكارثة لا حلها.

تشابه الأزمات المالية، في طبيعتها وحركتها، الزلازل المدمرة؛ تبدأ بهزات بسيطة، فتتوقف، ثم بهزات أخرى تتبعها الهزة الأعنف، وهي الهزة المدمرة التي لا يمكن تجاوزها، أو التعامل معها وفق خطط الإنقاذ الحديثة، ثم الهزات الارتدادية اللاحقة، وهي في الغالب لا تحدث دماراً بقدر ما تنبئ بنهاية الخطر.

في أزمة دبي نحن نتحدث عن الهزات الأولى، أما الهزة الأعنف فهي لم تأتِ بعد، ونسأل الله أن يُعين الإخوة في دبي لإجراء عمليات الإنقاذ اللازمة التي ستوقف - بإذن الله - حدوث الهزة المدمرة. تعقد الأسواق المالية العالمية الأمل في حكومة أبوظبي التي يُنتظر أن يأتي منها الحجم الأكبر من الدعم، وربما إنهاء الأزمة وفق ترتيبات مسبقة مع حكومة دبي، إلا أن الاتفاق على صفقة التسوية الكلية مقابل تملك أصول ومشروعات متعثرة لم يُنجز بعد.

الأنباء تتحدث عن (عدم اليقين بشأن إعادة هيكلة ديون بقيمة 22 مليار دولار لمجموعة دبي العالمية). عدم اليقين يرتبط في الغالب بالشكوك حول أداء المجموعات التجارية، ومباحثاتها مع البنوك لإعادة جدولة الديون، وتحقيق الشفافية القصوى، وقدرتها على العودة إلى نقطة التوازن.

في قطاع الائتمان يُمكن ل(تكلفة تأمين الديون)، و(التصنيف الائتماني) أن يكشفا بوضوح عن قدرة الشركات الائتمانية وكفاءة ديونها. فيما يتعلق بالتصنيفات العالمية فقد سحبت مؤسسة (ستاندر اند بورز) تصنيفها لمجموعة دبي القابضة للعمليات التجارية، وهو مؤشر سلبي للشركة، وربما القطاع والمنطقة أيضاً. قد يشكِّك البعض في قدرة مؤسسات التصنيف على تحديد الكفاءة الائتمانية للشركات، ويستشهدون بخطأ مؤسسات التصنيف الفادح بإعطاء بعض الشركات الأمريكية المنهارة، بسبب الأزمة العالمية، تصنيفات متقدمة، قبل حدوث الأزمة، تصل إلى AA وأعلى من ذلك أيضاً، وهو انتقاد مقبول في بعض جوانبه، ونضيف عليه أن بعض مؤسسات التصنيف ربما خالفت قوانين (النزاهة)؛ لتحقيق مصالح خاصة، أو تماشياً مع توجهات سياسية دولية! أما فيما يتعلق بتكلفة تأمين الديون فأعتقد أنها من أدق المؤشرات الدالة على كفاءة الديون وقدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها، ولعلنا نُذكّر بارتفاع تكلفة التأمين على ديون دبي العالمية قبيل الإعلان الرسمي عن طلبها تعليق سداد الديون في نوفمبر 2009؛ ما يعني توقع شركات التأمين تعثر (دبي العالمية) قبل الآخرين..

تكلفة التأمين على ديون دبي عادت من جديد للارتفاع مطلع الشهر الحالي، وهو مؤشر لا يبعث على التفاؤل بقرب نهاية الأزمة. بُعيد الإعلان عن تعليق (دبي العالمية) سداد ديونها العام الماضي تهاوت الأسواق العالمية، وتبعتها أسواق المنطقة، ومن ضمنها السوق السعودية التي كانت إحدى أكثر الأسواق خسارة. على الرغم من تصريحات محافظ مؤسسة النقد الدكتور محمد الجاسر، المطمئنة، وتحديده حجم انكشاف المصارف السعودية لديون دبي بـ 2 في المائة فقط، إلا أن الآثار النفسية كانت أقوى من تلك (التطمينات)؛ ما أضر بأداء سوق الأسهم التي تأثرت سلباً بأداء القطاع المصرفي.

ما أشبه الليلة بالبارحة، وما حدث نهاية العام الماضي قد يتكرر إذا لم توضع الخطط التحوطية لحماية السوق من تداعيات أزمة دبي، وربما أزمة الديون السيادية في أوروبا، التي لا ناقة لنا بها ولا جمل. من الحصافة أن تقوم المصارف السعودية بتحديد موقفها الحقيقي من أزمة المجموعات التجارية في دبي، وحجم المخصصات المقابلة لها، التي يفترض أن تكون في أعلى مستوياتها، وأية تطورات إيجابية في محافظها الائتمانية؛ تحوطاً لأية متغيرات مستقبلية قد تدفع السوق السعودية فاتورتها الباهظة بالنيابة.

لم تهنأ سوق الأسهم السعودية بأداء مستقر منذ 2006؛ حيث توالت الأزمات، وتوسعت خسارة المستثمرين.. العام 2010 يُفترض أن يكون عام الاستقرار والنمو المتوقع، ومن المؤلم تركه عرضة لنكسات الآخرين. السوق السعودية في حاجة ماسة إلى حماية استراتيجية تُبعدها عن تداعيات الأزمات الخارجية أنَّى كانت، والشفافية المطلقة أحد أهم أركان الحماية المستقبلية، إضافة إلى خطط الطوارئ التي يُفترض أن تلتزم بها الجهات الرسمية طالما أنها امتنعت حتى اليوم عن خلق (صانع السوق) الرسمي الذي يمكن أن يضبط حركتها، ويساعد في استقرارها.

التنبيه بالخطر قبل وقوعه خير من انتقاد تداعياته المؤلمة مستقبلاً، والحَذِق مَنْ يستطيع أن ينأى بسوقه عن تداعيات أزمات الأسواق الخارجية، وأن يحفظ لها مكتسباتها وثروات المواطنين. الفترة المقبلة تحتاج إلى عناية حقيقية بسوق الأسهم السعودية تعينها على تجاوز أزمات الآخرين لا أزماتها، وتُعينها على الاستقرار والنمو المدروس، والتناغم مع حركة الاقتصاد العام. نؤمن بقوة الشركات السعودية ومتانة القطاع المصرفي، وقدرته على مواجهة الأزمات، إلا أن الإيمان لم يعد كافياً لحماية السوق وصغار المستثمرين؛ فإيمانٌ لا يُقرن بعمل يبقى هشاً ناقصاً، وإيمان المستثمرين والمتداولين بسوقهم الفتية يحتاج إلى عمل استراتيجي منظَّم تقوم به الجهات المسؤولة من أجل حمايتها من أزمات الآخرين.

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد