يبين المشهد السياسي العراقي الحالي بظهور جبهتين انتخابيتين تتصارعان بآليات لا ديمقراطية، معتمدة وسائل الاستبعاد السياسي؛ من أجل السيطرة على أصوات المنتخبين وإلغاء اختيارهم الوطني لمرشحهم المفضل، واختارت هيئة المساءلة والعدالة الوقت المميت لإصدار قائمتها اللاوطنية بإخراج التيار السياسي العروبي والوطني عن طريق العملية الانتخابية من أجل إلغاء دوره المرتقب في تصحيح المسار السياسي للحكومة الجديدة والمؤمل من أعمالها وقراراتها إعادة الوحدة الوطنية والتركيز على الوجه العربي للعراق الذي أثقلته الجراح والقلق الناجم عن الفوضى الأمنية، ولكن الاستنفار الواسع لهذه الائتلافات المذهبية والعرقية يضع دوماً العصا بعجلة الحركة الوطنية العراقية وتحريك عملاء اطلاعات الإيرانية فيما يسمى بهيئة المساءلة والعدالة لتدس خنجرها السام في ظهر القوى الوطنية وإشهار أسماء الرموز الوطنية بحجة شمولهم بقرارات هذه الهيئة اللاديمقراطية والتي يحركها من وراء الستار أحمد الجلبي الملاحق قضائياً في قبل المحاكم الأردنية لدوره المشبوه في إفلاس بنك البتراء وصدور أمر قضائي بحجزه ومحاكمته أمام القضاء الأردني، والمعروف لدى الوسط السياسي العراقي بإزدواجية انتمائه لأجهزة اطلاعات الإيرانية والمخابرات الأمريكية!
ومن فرسان الوطنية العراقية الدكتور صالح المطلق وظافر العاني وخلف العليان ومعهم مجموعة واسعة من القوى السياسية المخلصة لمستقبل الشعب العراقي، ورافق قرار الإبعاد صرخات ديمقراطية مخلصة في البرلمان الأوروبي والكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض وأمانة الجامعة العربية ومنظمة العالم الإسلامي والكثير من الهيئات التابعة للأمم المتحدة والتي تطالب بإعادة هذه الشخصيات الوطنية إلى المعركة الانتخابية إلا أن المسؤول التنفيذي علي اللامي كشف عن وجه الحاقد، محاولاً إشراك نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بقافلة المستبعدين!
المشهد الانتخابي العراقي يعيش لحظات من التخبط السياسي والإصرار على زرع الأفخاخ للخصوم في العملية الانتخابية، وأصبح الانتقام السياسي الحاقد العامل المشترك لها تحت نظرية الوسيلة مجازة أخلاقياً لبلوغ الهدف مهما كانت النتائج دون الاعتماد على الأصول العادلة لكل العملية الانتخابية ونتائجها من داخل الصندوق الذي يحوي قرار الناخب العراقي والذي ألغت دوره الائتلافات المذهبية التي تخشى القرار الحر العادل للناخبين العراقيين في فرز مرشحهم ونوابه الممثلين لمصالحه ومستقبله السياسي والوطني طيلة السنوات الأربع المقبلة والمهمة من أجل تحديد مسيرته الوطنية.
ويشكل المجيء المفاجئ والسريع لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن دليلاً على مدى الخطأ السياسي الذي غلف قرار المساءلة والعدالة وتقاطعها مع نزاهة الانتخابات القادمة وعرقلة فاضحة للقوى الوطنية لرسم مستقبل العراق والقلق الشديد من عودة الاقتتال المذهبي بين مكونات الشعب العراقي، وأنتجت لقاءاته بالمسؤولين العراقيين التغيير الواضح في خطابهم السياسي، وأعطى تأثيراً بيناً على المشهد السياسي الانتخابي، وبرز قرار هيئة التمييز بتأجيل البت في ملفات المبعدين لفترة ما بعد الانتخابات؛ مما شكل هذا القرار الشرارة القوية وصفارة الإنذار لإمكانية مشاركة القوى الوطنية المستبعدة في الانتخابات وتشكيلها خطراً على الائتلافات المذهبية والمدعومة بقوى أجنبية لها مصلحة مباشرة في إزاحة القوى العروبية الوطنية عن ساحة السياسة العراقية والمتمثلة في الحركة النشطة لعملاء اطلاعات الإيرانية؛ فنزل حزب الدعوة ورجاله للشارع العراقي بتظاهرات رسمية من موظفي الدولة وتهديد عمال أمانة العاصمة بغداد بالطرد؛ لممانعتهم المشاركة في التظاهرات الحزبية وإلباس القوى الوطنية جلباب البعث الميت في العراق كتنظيم سياسي والذي انتهى عهده بنهاية السلطة السابقة والتي لا يحمل لها المواطن العراقي أي ذكرى وطنية لتسلطها عليه ولتميز قراراته السياسية باللاعقلانية وغير الحكيمة في علاقات العهد السابق دولياً، ولكن الائتلافات المذهبية جعلت مآسي عهد البعث سيفاً مسلطاً على واقع القوى الوطنية والعروبية واتهامها بالترويج لعهد البعث والبعثيين ومد حبل اتهاماتهم الكاذبة على شخصيات وطنية تشاركهم السلطة ورفضوا (نصيحة) نائب الرئيس الأمريكي بايدن، وامتد وصفهم له بمحاولة إعادة القوى البعثية للنفوذ الرسمي في العراق، ونسوا الأمس القريب في احتفالية القوات الأمريكية الغازية لأرض الوطن العراقي بتنصيبهم في مراكز السلطة وإطلاق أيديهم للسيطرة على ثروات البلاد واستحواذ فئة محدودة بحياة مرفهة وبقاء كل الشعب العراقي في حالة مأساوية من الظلم والفقر والمرض وحرمانه من أبسط الخدمات العامة كالماء النقي والكهرباء ودور الصحة العامة وانعدام الأمن والاستقرار الاجتماعي.
ومن المظاهر البارزة في سير الانتخابات البرلمانية العراقية فقرها للثقافة الديمقراطية وميلها نحو سياسة الإقصاء والإبعاد والعمل على إلهاء الناخب بها؛ لدفعه نحو الاتجاه المذهبي والعرقي وإلغاء قراره الوطني في اختيار مرشحه الوطني الذي يقدم في برنامجه الانتخابي خدمة المواطن والمحافظة على وحدة الشعب والدفاع عن حقوقه المشروعة في حياة معيشية مرفهة ورفع اليد الأجنبية عن مصدر القرار السياسي وتحريره وطنياً لمصلحة الدولة العراقية.
من المضحك المبكي أن هذه الائتلافات المذهبية ومعها أبواق اطلاعات الإيرانية يدَّعون أن دول الجوار (العربية) تخشى ديمقراطيتهم، وأقول لهم: نعم نخشى ونحصن مجتمعاتنا من انتهازية ودموية وحقد هذه الديمقراطية، ونفخر بشورى إسلامنا الوسطي الموحد لشعبنا ونتمتع بالمكاسب الوطنية والأمن والأمان بجهد قيادتنا الوطنية المخلصة وباحترام المجتمع الدولي.
(*) محلل إعلامي وعضو هيئة الصحفيين السعوديين