التجربة السياسية للمرأة الهندية طويلة وعريقة أنتجت خلالها عدداً من الأسماء والرموز التي كانت تحيلنا إلى آثار واضحة لهذا التواجد في فسيفساء الديمقراطية الهندية المعقدة والمتشابكة.
وتستضيف المملكة هذه الأيام نائبة رئيس مجلس الشيوخ الهندي (وهو المجلس الأعلى في البرلمان الهندي) د.نجمة هبة الله، التي ترأس جمعية الصداقة العربية الهندية منذ عشرين عاما، كما تشغل منصب رئيس مجلس الاتحاد البرلماني الدولي.
وخلال لقاء خاطف معها أشارت إلى الإشكالية العالمية التي تتربص بالمرأة عموماً في نطاق العمل عندما يوكل لها العديد من المهام ويتوقع منها مستوى عالٍ من الإنتاجية، فتظل تبذل جهدا مركبا في سبيل إثبات قدراتها ومواهبها، أمام نظرة تاريخية متأصلة في المجتمعات حول المرأة وقدرتها على الإنتاجية والإبداع خارج الأطر التقليدية المتعارف عليها.
وأعتقد بأن الإشكالية الأولى التي تتربص بالمرأة وهي في نطاق العمل، هي مدى تقديرها هي نفسها لذاتها قبل أن تحصل على أي تقدير من جهة أخرى، ومدى احترامها لقيمها وخصائصها الأنثوية التي تتجلى في العطاء والصبر والدأب ودعم رفيقتها ومرؤوستها ومنحهن الثقة والفاعلية.
أشارت الزميلة فاطمة العتيبي في زاويتها يوم السبت الماضي (إلى إشكالية العلاقة الملتبسة بين المرأة وذاتها، وعدم قدرتها على تجاوز نمطية الأدوار التي أحكم التاريخ ضربها حولها، فأصبحت هي حلبة التنافس الوحيد التي تملك أن تركض بها).
وهذا الأمر يظهر في أكثر من مجال على سبيل المثال في نطاق العمل عندما نقدم واجهات بشعارات كبيرة وبراقة، ونرفع شعارات التطوير والتجديد الإداري، ونلوح بانتمائنا إلى المرحلة الإصلاحية على وجه العموم، وفيما يخص المرأة بشكل خاص، فإن الجميع سيتوقع منا أن نمتلك أجندة واعية بتحديات المرحلة قادرة على التعامل مع صعوباتها ومعالجة أقفالها بشكل يلبي طموحات خادم الحرمين الشريفين وتوقعاته منا.
لكن... ولكن.. واللكن هنا طويلة ممتدة.. فعندما نغلق آذاننا عن نبض محيطنا وصوته، ونتجاوز سياسة الباب المفتوح التي يستنها حكام هذه البلاد ونستبدلها بالأبواب المغلقة فسيخلق هذا علامات استفهام كبيرة في المشهد أمامنا.
عندما نعجز عن مغادرة الأدوار التقليدية لنا كنساء في نطاق العمل والذي ظل يراوح في مجال السكرتاريا التنفيذية التي تقبع في الظل على حين أن القيادة السياسية تتوقع منا المزيد من الدعم للمرأة وتمكينها وإعطائها المساحة للفعل والتجربة والخطأ والتطور الإداري، بينما نحن نصر على تكبيل المرأة العاملة بمبدأ ولي الأمر الإداري كمرجعية أولى وأخيرة، فتلك قضية تزيد من تورم الوضع وتأزمه.
عندما نلتف على مركزية متورمة مفخمة، تصرف جل وقتها بالانشغال بتتبع كل كبيرة وصغيرة من التفاصيل بشكل يشل فريق العمل ويحبطه ويسلب منه الثقة والقدرة على الإبداع والابتكار والمشاركة، فبالتأكيد ستخبو كل الآمال التي علقناها والأحلام التي صبونا لها.
لن أستمر في رصد المزيد من المشاهد، ولكن زيارة النجمة الهندية للمكان فتحت الكثير من الملفات المتوارية والشفاة المغلقة على كمٍّ وافرٍ من السخط والضيق والإحساس بعدم الجدوى أو الفاعلية.