بعد فوات الأوان تنبه الأمريكيون إلى أنهم أزاحوا نظام صدام حسين ليسلموا العراق إلى نظام آخر أسوأ من النظام السابق، وإلى أنهم أوجدوا وضعاً أخطر وأكثر بشاعة في العراق، وأضروا العراقيين، ليس فقط بإعادتهم إلى القرون الوسطى فانعدمت المياه الصالحة للشرب وانقطعت الكهرباء ولأوقات طويلة في مناطق عدة بالعراق، بل أدى غزوهم ثم احتلالهم وتهميشهم لمكون هام من هذا الشعب ونصر الآخرين عليه، إلى قتل قرابة المليون إنسان وتشريد أربعة ملايين إلى خارج العراق وتكوين جيش من الأرامل والأيتام، إضافة إلى تسليم العراق إلى نظام آخر أكثر بشاعة وعنصرية وطائفية من النظام السابق..!!
صحوة الأمريكيين جاءت متأخرة.. ومتأخرة جداً.. فالوعي الأمريكي خاصة بعد أن آل الأمر إلى عدو إستراتيجي، لذلك حاولوا أن يفعلوا شيئاً، إلا أن الذين أصبحوا متمكنين لا يمكن أن يسلموا بالأمر ويضيعوا ما حصلوا عليه بسبب إهمال الأمريكيين أو سقوطهم في فخ من قدموا أنفسهم على أنهم حلفاء لهم، مع أنهم أصلاً يعملون من أجل نظام ولاية الفقيه الذي أوجد أحزابهم ورباهم لهذا اليوم.. يوم ضم العراق إلى إمبراطورية ولاية الفقيه..!!
كثير من المفكرين الأمريكيين وحكمائها من السياسيين حذروا من قضية رمي كل البيض الأمريكي في سلة الأحزاب الطائفية العراقية التي أنشئت في إيران، وأن قادة هذه الأحزاب معروفون بولائهم المطلق لملالي إيران ليس فقط ولاءً سياسياً، بل ولاءً مذهبياً يتصل حتى في أدق الخلافات، فزعماء هذه الأحزاب من الموالين لنظرية ولاية الفقيه ومحسوبون على حوزة قم الفارسية أكثر من أخذهم بتوجيهات حوزة النجف العربية، وقد تنبه داهية السياسة الأمريكية الخارجية، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر الذي كتب قبل أيام في صحيفة (الواشنطن بوست)؛ لسان منظري أهل الحكم والسياسة في أمريكا)، محذراً من عواقب إهمال أمريكا للعراق، وتجاهل مركزية التوازن الإستراتيجي مع إيران.
تحذير كسينجر هذا يتزامن مع عودة الاهتمام الأمريكي بالعراق، ويؤشر إلى بداية صراع أمريكي إيراني على أرض العراق، بدأت أولى ملامحه في قرارات إبعاد عدد من المرشحين للانتخابات العراقية، مرشحين ترى فيهم أمريكا أملاً في إحداث التغيير.. وإيران تجد فيهم تهديداً لنفوذها في العراق.
jaser@al-jazirah.com.sa