هل أصبحت الأخطاء الطبية ظاهرة؟.. سؤال بات يتردد ويخشاه كل إنسان.
من طبيعة الردود الرسمية أن تقول: نحن أقل دول العالم في الأخطاء، ونحن أحسن دول العالم في الأداء، ونحن نمتلك أفضل التقنيات، ونحن نتعاطى أفضل أساليب الحوار في حواراتنا.. ونحن.. ونحن.. إلى آخر قائمة الفضائل.
ونحن معهم نؤمن ونقول: يا رب اجعلنا مثل ما يقولون.. وخيراً مما يقولون.
ولكن.. وهنا مربط الفرس..
ما كل ما يتمناه المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
لله درك أيها الشاعر.. كم أنت حكيم حين قلت هذا البيت الذي نحن في هذا الزمن أشد حاجة له، لنسلي أنفسنا، في ظل هذه الإخفاقات والنكسات والانتكاسات.
لست أقول إن الناس قد هلكوا، فأنا أفقه من أن أرتكب هذه الحماقة تجاه نفسي وتجاه مجتمعي، ولكني أقول وبكل ثقة إن المجتمع بمؤسساته العامة والخاصة إن لم يتدارك وضعه المتأزم ليس مع الغير، وإنما مع نفسه، فإن الوضع غير مطمئن.. لنأخذ الأمر بكل بساطة.. فنحن جميعاً لا ننشد إلا الحق، ولا نتمنى إلا رقي مجتمعنا وسعادته، هل حصل ذات يوم أن قامت مؤسسة من مؤسسات الدولة بتصحيح خطأ وقعت فيه دون أن يكون سبقته كارثة أو مقدمة لكارثة؟ الجواب بكل تأكيد لا، نقول ذلك.. وكثير من مؤسساتنا يقع في أخطاء كبيرة، لا نقول إنها عن قصد.. ولكنها عن سوء فهم أحياناً.. وقلة دراية أحياناً أخرى، ونتيجة إهمال أحايين كثيرة، ولكن الوضع مع وزارة الصحة مختلف تماماً، فهذه الأخطاء الطبية التي تقع باتت هاجساً يقلقنا كثيراً، وباتت ثقتنا بجهازنا الصحي مهزوزة إلى درجة كبيرة، وما ذلك إلا لما نسمعه شبه يومي عن خطأ يقع هنا.. وخطأ يقع هناك، والمسكوت عنه رقم آخر غير مسجل في حساب هذه الأخطاء.
السؤال المحير المرير لن يكون لماذا تقع هذه الأخطاء؟.. وإنما ماذا تمَّ مع من أخطأ في المرات الماضية؟؟.. هل كان الإيقاف والتغريم المناسب من نصيبه؟.. هل شُطبت رخصة طبية؟ هل رُحِّل طبيب متعاقد..؟ هل غُرم مستشفى أهلي الغرامة التي تتفق وهذا الإهمال؟.. بالطبع هناك قائمة طويلة من الأسئلة التي لا نتوقع أن نجد جواباً شافياً لها لدى مقام وزارة الصحة. إننا كمواطنين عندما نطرح تخوفاتنا، فإن ذلك يأتي مما نسمعه كل يوم عن وفاة إنسان نتيجة خطأ طبي، وفقْد آخر لحاسة من حواسه، ومضاعفة حصلت بسبب صرف دواء بالخطأ، إلى آخر القائمة المؤلمة المحزنة.
ولذا فإن على وزير الصحة، وهو الرجل المدرك ماذا يعني أن يقع خطأ طبي، وماذا يعني أن يحصل إهمال من جهاز التمريض في أي مستشفى.. سواء كان حكومياً أو غير حكومي، أن يطمئننا على أرواحنا وأرواح من نأتي بهم إلى هذه المشافي، أنها في أيدٍ أمينة، وتحت إدارة حكيمة، لا أن يكون ولي أمر المريض هو من يقوم بتوجيه الطبيب ماذا يعمل وماذا يزر، وهذه الوضعية قد لا تُصدق، ولكنها حصلت معي شخصياً يوم راجعت بوالدي أحد المستشفيات الحكومية، فأراد الطبيب أن يصرف له العلاج دون أي تشخيص حقيقي، فلما اعترضت قال: ماذا تريد؟.. قلت: أريد أشعة لظهره الذي يؤلمه فاستجاب، وهو يتمتم..!!
إن وضع مستشفياتنا سواء الأهلية أو الحكومية بكل صراحة وتجرُّد لا يسر، وإذا لم نتدارك وضعيتها المتعثرة، فستصل إلى الدرك الأسفل من الفوضى، ونفقد معها الأرواح والثقة.
اللهم إني لا أريد إلا الإصلاح.. فاجعل آذان من يعنيهم الأمر سامعة.. وأعينهم مبصرة لِما قلت.
Almajd858@hotmail.com