هويتنا، وطنيتنا، شهاداتنا، وظائفنا، أبوتنا، أموالنا، بيوتنا، بل حتى ذواتنا التي هي نسيجنا الخاص، كل ما عندنا وما بين أيدينا وتحت قيوميتنا -وللأسف الشديد- هي مجرد أشياء يضيفها البعض منا إلى ممتلكاته التي في حوزته ولا تدخل في تركيبة شخصيته التي تميزه عن غيره وتكون عنواناً خاصاً به.. نعم البعض منا وعلى سبيل المثال يمتلك الشهادة والمال والأبوة والوظيفة ولا يدخل أي منها في نسيج تكوينه، فالدرجة العلمية مثلاً والتي حصل عليها فلان من الناس لم تغير من آلية التفكير عنده، ولم يستطع التخلص من تلك المفاهيم البالية التي صفدت عقله وما زالت تتحكم في نظرته لكل ما حوله ومن حوله، فهو ما زال يحمل عصى الراعي ويفكر بلغة القطيع، ولذا كثرت الشخصيات الفارغة في مجتمعنا المحلي، لقد كان مضمار السباق من أجل الحصول على الدال مليئاً وما زال وبأي ثمن ومن أي مكان، والدافع حب التملك لا الكينونة.. والمال -في نظر شريحة منا- امتلاك لا كينونة، فصاحبنا ممن ينتمون إلى هذا الصنف من الناس يعد الرصيد ويحرص على زيادته ولا ترى آثار نعمة الله عليه، لم يفكر كثيراً بمسؤوليته الاجتماعية وبحقوق الفقراء فيما تحت يده ولا حتى بنفسه وبمن يعول، ولذا فهو خادم للمال، أسير لحب التملك. وعقد الزواج الذي هو ميثاق غليظ في قاموس هؤلاء البعض عقد امتلاك لا كينونة، والأولاد هم مجرد عدد ولا يهم ما يحدث بعد ذلك، والأبوة لم تغير من سلوك هذه الفئة فهم يعيشون حياة العزوبية، الواحد منهم لم يستشعر بعد معنى أن يكون أباً، نعم إنه يملك هذا اللقب الجميل ولكنه لا يقوم بالدور المطلوب منه بصفته أب بل ربما صار جداً وهو ما زال مراهقاً ويلقي بمسؤولية التربية على الغير، حتى الإسلام الذي ندين الله به هو عند البعض منا امتلاك وليس كينونة، فهو لا يؤثر على سلوكنا ولا يضبط حركتنا على الأرض.
بصدق نحن شعب يحب التملك بشكل غريب، الناس وهم الناس نتمنى امتلاكهم بل إن منا من يمتلكهم وبطريقة تعسفية، يبيعهم ويؤجرهم ويأكل عرق جبينهم فقط لأنه هنا!!، الغريب أن صديقاً عزيزاً كان يتمنى الأسبوع الماضي وفي حديث خاص أن يعود الرق من جديد، ويعتقد أن أسوأ قرار اتخذته هيئة الأمم المتحدة هو منع الرق. نحن نحلم باليوم الذي نمتلك فيه العالم، لا يهم كيف سيكون حالنا ونحن أسياد هذا الكون ولا ما هي المنهجية التي سنسوس الكرة الأرضية بها، المهم أننا نتربع على كرسي العرش، دائماً نتغنى بيوم انتصارنا على الفرس والروم وننتظر المستقبل الذي يقودنا فيه الفارس المنتظر لمعركة النصر، نحن نريد أن نحكم العالم لا لنغيره بل لنمتلكه ومن ثم نوظفه، هذه هي عقليتنا وهذا هو الفارق بين خطين (خط البناء والتنمية وخط الهدم والتدمير)، هذا هو البرزخ بين حياتين (حياة الحضارة والتقدم وحياة الرجعية والتخلف)، قليل منا من يسبر التأريخ ليعرف السنن ويقرأ الأحداث، قليل منا من يفتش في كينونتنا ليشخص حقيقة ذواتنا.. أحلامنا وهي مجرد أحلام دليل جديد على نزعة التملك القوية عندنا، لاحظ حتى سابقنا مع العالم هو حب امتلاك لا كينونة (أطول برج، أكبر مائدة، أول...)، تُرى هل سألنا أنفسنا من الذي بنى لنا هذا البرج، من الذي شيد لنا ما نعتقد أنه حضارة نحن صناعها، من الذي كان سبباً بعد الله فيما نحن فيه، لماذا لا نكون نحن من يصنع التاريخ.. أعلم أن هذا الحديث جلد للذات ولكنني أعتقد أننا لا بد أن نكون، ولنكون بدل أن نملك فقط علينا أن ننتقل من دائرة القول إلى مساحة الفعل الواسعة ولنعتمد على ذواتنا بدل أن نعيش عالة على الآخرين ولنتذكر قول الله عزَّ وجلَّ {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.