في الخطط الخمسية الماضية كان يعاب دائماً على بعض قطاعاتنا أنها لا تضع لمنشآتها خططاً استراتيجية
إنما تكتفي باستراتيجية الدولة العامة وتنفذ بنود الميزانية والمخصص لها، والبعض الآخر يضيف خطه تشغيلية سنوية غير ملزمة.
كما أن هناك بعض الجهات لم توجد لنفسها هيكلاً تنظيمياً وإن وجد فهو هيكل مفتوح قابل في كل لحظة ومناسبة للتغيير وتحريك الوظائف والموظفين والمناصب والوكالات حتى أن الهيكل يتغير وفقاً لأهواء الوزير والنائب والوكيل وربما مدير عام التخطيط ولا يبنى على قرار إداري.
كان هذا في الماضي ونتمنى أنه أصبح تاريخاً لأنه لا يمكن تصور وزارة بلا هيكل تنظيمي ولا خطة إستراتيجية أو خطة تشغيلية انطلاقاً من مبدأ عام أن يكون لكل منشأة تطلع وطموح وأحلام.
انتقلنا من الشح والجفاف التخطيطي الذي كان يتم فيه تجاهل الإدارة العامة للتخطيط والتطوير إلى الشهية المفتوحة حتى أصبحت الخطط والاستراتيجيات والمخفف منها التوجهات - أصبحت - طفرة جديدة وإكسسوار تجميلي لكل قطاع يتم تضخيمها بعبارات وخلفيات أكاديمية وتسويقية مصدرها شركات عالمية وأجنبية ويصرف عليها مبالغ مالية وترافقها ضجة إعلامية.. لكن للأسف الشديد لا تتوافق تلك الخطط مع الواقع الوظيفي والاجتماعي ولا تعبر عن المنشأة وأهدافها ومنتجها وطاقمها البشري. هي في الواقع خطط واستراتيجيات عامة معلبة ومؤطرة سهلة التحضير أعدتها شركات أوروبية أو أمريكية من نوع شركات العلاقات العامة تقوم بتسويقها على دول الخليج ويتم سعودتها إذا إرادتها أحد قطاعات السعودية كما يتم تعديل عناوينها إذا إرادتها دولة خليجية أخرى.
ويعمل لها جراحات إدارية في تحديث الأرقام والإحصاءات والمؤشرات والأهداف والغايات والمحددات وفقاً لكل دولة خليجية. كما يتم إعادة صياغتها وتفصيلها و(خياطتها) متطابقاً مع النشاط وجهة العمل في: الاقتصاد، والصحة، والتعليم العام والفني، والجامعي، والتجارة، والثقافة، والإعلام والرياضة وخدمات البلدية.
هذا واقع مؤلم للبيروقراطية في بلادنا إعلان عن استراتيجيات وتوجهات وخطط لكن لا ينعكس على أرض الواقع ومع تبدل الوزراء والتحركات التي تحدث للنواب والوكلاء والمعاونين المساعدين يتم تعطيل الإستراتيجية السابقة والبدء في خطط جديدة التي تحتاج للعمل (20 شهراً) وبعد إعدادها من قبل شركات العلاقات العامة الأوروبية والأمريكية عبر فروع مكاتبها في الخليج تكون جميع المعطيات والمؤشرات الأولى قد تحولت وجاءت (إحداثيات) جديدة على الأرض وعلى هيكلية العمل.
وحتى لا يستمر الهدر على الخطط والاستراتيجيات الورقة والمعلبة لماذا لا يتم إيجاد هيئة مستقلة تتولى متابعة الخطط المنفذة وغير المنفذة ومساءلة للمشروعات المتعثرة وفق نظام محاسبي قوي تكون فيه أهداف وبنود الخطط ملزمة للجهة ويتبعه محاسبة إدارية ومالية لأن ظاهرة الخطط والاستراتيجيات غير الملزمة والمنضبطة أصبحت أداة تعطيل للعمل بدلاً من أن تكون تطويراً له.