Al Jazirah NewsPaper Monday  08/02/2010 G Issue 13647
الأثنين 24 صفر 1431   العدد  13647
 
نهارات أخرى
تحريم تحية العلم!
فاطمة العتيبي

 

لسنوات طويلة ومملة كان الوطن قيمة ثانية، وربما ثالثة، وكانت كلمة الوطن لا تُنطق في أغلب المدارس بالاسم المتعارف (المملكة العربية السعودية)، بل في بعض الأنشطة الصفية واللاصفية يستعاض عنها بجزيرة العرب، وكانت فتوى تحريم الموسيقى القاطعة تنتشر على لوحات الإعلان في المدارس، وتُشرح في الفصول بالتفصيل، وتمسك أذان الطالب ليوضح المعلم أن الرصاص سيصب فيها فيما لو سمعت يوماً ما موسيقى حتى لو كانت موسيقى الأخبار! وظلَّت بيوت كثيرة تعاني تناقضاً مريراً؛ فيتقافز الأطفال ليكتموا صوت الموسيقى وآباؤهم يتأملون بحسرة مآل أبنائهم!

قبل نحو عامين قلت لمعلمة ابنتي «أرجو أن تلتزمي بالمنهج ولا تزيدي؛ فمن أين جئت بموضوع تحريم الموسيقى؟»، ردت بأن من واجبها تأديب البنات وتعليمهن الحلال والحرام حتى لو لم يكن ذلك في المنهج!

كانت ابنتي في الثاني الابتدائي، وقد دخلت في خلافات مع أشقائها على كتم صوت التلفزيون. وتكرر بكاؤها الشديد وخوفها من النار لو سمعت ذلك مصادفة!

وتساءلت مع والدها بألم: هل ندفع المال للمدرسة كي تصاب طفلتنا بنوبات هلع؟

في المرة الثانية سألتُ المعلمة: «من أين جئت بتحريم عمل غير المسلمين في بيوتنا؟ ولماذا لا تلتزمين بالمنهج؟».

قالت: «هؤلاء نصارى، وابنتك تذكر أن لديكم عاملة نصرانية، وذلك لا يجوز».

قلتُ «ألا تعلمين أن زوجك يحق له أن يتزوج من ذمية ويأتي منها بأطفال مسلمين؟؟».

ردَّتْ بدهشة «أعوذ بالله»، وكرَّرتها مستنكرة!! تركتها إلى مكتب المديرة، وقبل أن أدخل استقبلتني في لوحة الإعلانات المجاورة للمديرة مقالة قصيرة نُزعت من مجلة، وتم تكبيرها، كان عنوانها (الموت لأمريكا!!).

طلبتُ ملف ابنتي غير نادمة!

يوم أمس حين دخلتُ غرفة ابني الصغير وأيقظته كالعادة بسيل من القبلات على جبينه أردِّد (صباح الخير، صباح العسل، يالّه أصحى يا حلو) فاجأني قائلا «ماما، لا تقولي صباح الخير. الأستاذ يقول حرام.. يا ماما قولي السلام عليكم»..

قلت سأحييك يا حبيبي بكل تحايا الدنيا التي عرفتها شعوب الأرض، وأولها السلام عليكم!

لدى وزارة التربية مسؤولية كبرى حيال ثقافة الحلال والحرام التي يستسهلها المعلمون والمعلمات حتى تجاوز هؤلاء حدودهم؛ فتحولوا إلى مفتين يحللون ويحرمون..

لا يقفون لتحية العلم، ويمتعضون حين يستمعون إلى النشيد الوطني، ويسهمون في بث ثقافة متشددة لا تبسط كل الآراء ولا تلتزم بالمنهج العلمي الأمين مع التلاميذ دون فرض رأي واحد واعتباره هو الأصوب وما عداه خاطئ!

السنوات الطويلة الماضية التي انشغل فيها التعليم بالتحليل والتحريم والتصنيف والإقصاء، وأُهدرت المليارات على الكشتات والمخيمات، اجتهدت فيها تكتلات كبرى عملت بإتقان على بث التشدد في المدارس، يحتاج تفكيكها وردها إلى السماحة والوسطية واليُسر إلى استراتيجيات وخطط إعلامية تستهدف المعلمين والمعلمات؛ لأنهم مَنْ يصنع ثقافة أجيالنا، وهم مَنْ يشكِّل ما سيكون عليه الوطن بعد عقد أو عقدين!!

إنَّ مشروع تحية العلم ودفعه للإمام مجدداً من قِبل مسؤولي وزارة التربية والتعليم الجدد سيدفع بموضوعات أخرى لواجهة المعالجة، أهمها ثقافة التحليل والتحريم والخروج عن المنهج بما يتناقض معه والمتفشية في بعض المدارس.

دعونا نحلم بغد تكون الوسطية والاعتدال والسماحة واليُسر وقبول الآخر والتعددية هي العلامة الأبرز في ثقافة معلمينا ومعلماتنا.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد