Al Jazirah NewsPaper Monday  08/02/2010 G Issue 13647
الأثنين 24 صفر 1431   العدد  13647
 
بين الكلمات
صوت المباراة
عبد العزيز السماري

 

كان صوت المعركة في يوم مضى فوق أصوات الإصلاح والتنمية والديموقراطية والشفافية؛ فالانتصار على العدو كان الحلم الذي يسعى الوطن لتحقيقه، ومن أجل تحقيق ذلك الهدف البعيد تم إسكات مختلف الأصوات واختزالها في صوت واحد هو صوت السلاح، فقد كان الحديث في ذلك الوقت عن الإصلاح السياسي والإداري يعد خيانة وطنية، ولابد من توحيد الأصوات والجهود ضد العدو..

لكن الأمور في ظل النظرة الشمولية على الطريقة العربية سقطت في أول مواجهة، ولم تحقق الأوطان أي انتصار سواء في معركتها ضد العدو أو داخل الوطن في مجالات التنمية الإنسانية، فكانت الكارثة على مختلف الأصعدة، ولم تستطع ضوضاء الموسيقى العسكرية وموجات إذاعة الأناشيد الوطنية إخفاء آثار الإخفاقات الوطنية في مجالات الحياة الطبيعية..

لم يتغير الحال كثيراً بعد خفوت أصوات المعركة في ظل تلك الأنظمة، إذ تم استبدال صوت المعركة بهتافات الفوز بالكأس وبتوفير واختزال الجهود الوطنية من أجل تحقيق الإنجاز الوطني في ميادين الألعاب، فتحقيق النصر في المعارك الرياضية أصبح مقصد السياسيين في دول العالم الثالث، وصار الظفر بمنجزاتها بمثابة الشرعية التي تقوم عليها شرعية الأحزاب الذي يتحقق من خلال الوصول إلى كراسي الحكم..

وصل الحال بتسييس الرياضة إلى أن تقوم بدور المسكِّن (بكسر الكاف) في تخفيف آلام فشل مشاريع التنمية الإنسانية من أجل تحسين الحياة المعيشية للإنسان العربي، فصوت صفارة الحكم إعلاناً بالفوز في المبارة النهائية في إمكانه صرف النظر عن كثير من الإخفاقات الوطنية، وفي تخدير الآلام في أجساد البائسين والفقراء.. فقد شاهدنا الحاكم يتحول إلى مشجع يرفع اللافتات في ميادين المباريات الرياضية، ويسمح بالخروج الجماعي في الشوارع من أجل الاحتفال بالنصر التاريخي، وهو حراك يختلط فيه الرياضي بالسياسي، ويحول الرياضة من مهارات وإبداع فردي إلى وسيلة في عملية رفع جماهيرية الحاكم أو الحكومة..

يوجد مثل هذا التداخل العجيب بين الرياضة والسياسة في مختلف دول العالم، لكنه يظهر في المحيط العربي في درجة عالية من الغلو في استغلال الرياضي في مواجهة الأزمة السياسية التي يواجهها الحاكم.. وفي ظل هذا التغيير انتقلت الأسلحة من المعركة إلى الميادين الرياضية، وكان هذا التوجه حاضراً في بعض المواجهات العربية - العربية الأخيرة، إذ تحركت الطائرات الحربية لنقل المشجعين إلى الميدان الرياضي، وكادت أن تتأزم العلاقات الدبلوماسية بين البلدين..

بينما من المفترض أن تكون الرياضة إبداع ذاتي يعود بإبداعه إلى الفرد، وإلى الرياضة التي ليس لها لون أو عرق أو أديولوجية، وليس لها علاقة بالسياسة، وترفض أن يتم استغلالها في إثبات رشد الحكومة وحسن إدارتها، لذلك من المفترض تحييد الرياضة وأن يكون مجالها مستقلاً خارج دوائر الحكومة، وذلك من أجل أن يظل انتصار الرياضة محصوراً في مجال الإبداع الفردي للإنسان، وفي نجوميته وقدرته على تجاوز الأرقام القياسية..

وتأتي الخطوة الأهم في مهمة تخصيص الرياضة ونقل الصرف عليها من الدخل الوطني إلى الاستثمار الخاص، وذلك من أجل أن تكون ميداناً للمنافسة بين المستثمر والمبدع الرياضي من أجل حفظ حقوق المبدعين وفتح المجال لهم في استثمار إبداعاتهم اقتصادياً.. يتفق الكثير أن ميادين التنافس الرياضي تأتي في مقدمة المجالات التي من المفترض أن يتم تخصيصها مبكراً، والسبب لأنها لا تدخل في خدمات القطاع العام، لكنها تدخل بجدارة في القطاع الخاص الذي سيكون بمثابة الحاضنة الطبيعية لذلك الإبداع.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد