قال أبوعبدالرحمن: ربما أثار هذا العنوان بعض التساؤل لو كتب قبل نصف قرن مثلاً؛ لما فيه من ربط بين رباعي: (الكيد، والصهيوني، والانبعاث، والعالمي) على الرغم من أن كل شيء ملموس منذ سقطت ثلاث إمبراطوريات: الكاثولوكية بفرنسا، والأرثوذكسية بروسيا، والخلافة الإسلامية بتركيا.. وكلها تمثل ديانتين من ثلاث ديانات قضى تدبير الله الكوني أن تبقى إلى قيام الساعة، ولم يستأصل أهل الديانتين المخالفتين للدين الناسخ المهيمن كما استأصل عاداً وثمود، وبصمات الصهيونية واضحة كل الوضوح في سقوط الإمبراطوريات الثلاث، وواضحة في التهويد البروتستانتي، وواضحة في التسربات البهائية وأمشاج الباطنيين.. ولا أعظم كيداً على وجه المعمورة كلها ممن سيطر على العقول بالتضليل، وسيَّر السلوك البشري لخدمة مآربه، ولا أعظم كيداً ممن مكَّن حاكمية القانون الوضعي الذي سماه حقاً طبيعياً مكان الحق الإلهي بعد مجازر ثورة فرنسا الكبرى التي قضت على صوت المتدينين، وهذا الدين الطبيعي معنى مرادف للقانون الطبيعي حيث يُبنى الدستور على شهوات الجسد، وحرية النوازع.. والعقد الاجتماعي عند هؤلاء لإكساب الدين الطبيعي معقولية ومشروعية، وبعضهم يرى أن العقد الاجتماعي فضول؛ لأن الطبيعة في ذاتها دين تلقائي، ومن هؤلاء روبرت م. ماكيفر؛ فإنه ذهب إلى أن الناس في حالتهم الطبيعية ذوو أواصر اجتماعية لا تحوجهم إلى عقد، بل الإنسان حيوان اجتماعي كما قال أرسطو، والحكومة ظاهرة اجتماعية (1).. أما مفكر الثورة الفرنسية جان جاك روسو فقد وصف روبرت م. ماكيفر مذهبه بأنه استسلام تصوُّفي حيث يتحول البشر عن الإرادة الخاصة لكل واحد منهم إلى إرادة عامة (2).. وعند لوثر - وهو قَيِّمُ دِينِ مَن كانوا سبتيين وهم من الأحديين - ليست السلطة من عند الله.. وقال هوبز: ليست من طاعته.. وقال سبينوزا ولوك: بل من قوانين الطبيعة.. وقال روسو: بل موافقة السكان.. ويلتقي كل هذا الفكر الصهيوني على أنه لا حقَّ لله في تدبير خلق الله بشرع الله!!.. ويمعن التضليل في المكيدة عند وضع أسس القانون؛ فتمتزج مقدمات باطلة محالة بمقدمات صحيحة يقينية افترض المضلِّلون أنها لا توجد في شرائع الله، وأن التاريخ حُرم منها؛ فمن المبادئ الأسس أن «سلطة الدولة فوق كل عنف، والدولة لا تمارس سلطتها إلا بمقتضى القوانين».. فهذا حقٌّ لو اتُّفق - بالبناء للمجهول - على القانون الذي يحكم السلطة.. أي لو قال: إن القانون هو دين الله الذي ظل مهيمناً على سلطة كل حكومة مسلمة.. ومن المبادئ عند روسو: ألا يكون أحد يشري غيره، ولا فقير يبيع نفسه.. ولا معنى لهذا الاشتراط ما دامت السلطة للقانون؛ فإن كان القانون من وضع البشر فلابد من البيع والشراء الذي فرَّ منه روسو، ولابد من التخبط في مُحالات الحرية.. وإن كان القانون هو دين الله فالخلق عبيد الله كوناً؛ لأنه خالقهم، ومربيهم، ومخضعهم لناموسه من حتمية الوجود، والأجل والموت، ووضعية أجزاء الحياة(3).. وأعظم إنجاز للكيد الصهيوني تهيئة أعظم قدرة عسكرية علمية على وجه الأرض لتكون حارسة للصهيونية نفسها، حامية لتسلطها العدواني، مؤمَّمة لذلك فكرياً وروحياً.. وصار كل ذلك يقيناً كأبجديات الرياضة في التاريخ الذي نعيشه الآن، ولقد كثرت كتابات محبَّرة من أمثال كُتيِّب (الصهيونية المسيحية) تأليف (بول مركلي) الذي ترجمه فاضل جتكر، وفي الزمن الذي نسميه بداية الألفية شهدنا موجة العنف الديني التي ارتبطت بالإحياء الأصولي في الأديان الرئيسة، وكان نصيب الولايات المتحدة الأمريكية منها النصيب الأوفى لكي تتهيأ للمجيء الثاني للمسيح بدلاً من قيادة العالم على أسس علمانية وحداثية ضد مشيئة الرب(4).. إن هذا الثقل المادي العظيم على المعمورة لأهل الكتاب ذوي المرحمة الذين أثنى الله عليهم بقوله تعالى:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)) (سورة الحديد -26-27)؛ فهذا ثناء الله عليهم رأفةً ورحمةً وتعبُّداً ما ظل الاتِّباع لعيسى عليه السلام قبل أن يبعث الله محمداً -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا هم في مرحمتهم بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- وقبل أن يخترقهم عدوهم الصهيوني وعدو نبيهم عليه السلام، ثم هم اليوم ما بين صامت لا يجرؤ على الكلام من غير ذوي النفوذ، ومتنفِّذ مناصر للظلم الصهيوني ولاسيما على أرض فلسطين وشعبها؛ فتحقق بذلك موت الضمير العالمي.
قال أبو عبدالرحمن: إن الشرائع الإلهية الباقية اليوم هي الإسلام والنصرانية واليهودية - باستثناء الصهيونية السياسية المعادية للبشرية -.. وكل واحد من أهل هذه الأديان يعلم بالضرورة العلمية أن موسى وداوود وسليمان وعيسى ومحمد -صلى الله عليه وسلم- مُبَرَّأوُن ومبرَّأةٌ شرائعهم من الإباحية والوثنية والظلم والإلحاد والتضليل (على الرغم مما دخل بعضها من دسٍّ)؛ وإذن فالقاسم المشترك من العدل والإحسان موجود بين أهل الأديان، وعلى أكتافهم تقوم سعادة البشرية وهداية الوثنيين وغير المتديِّنين وقمع أعداء البشر؛ ومن ثم لا يكون من المقبول بوفاقٍ دولي خيِّرٍ مثلُ قول الجنرال شوارتزكوف: « إن الحرب التي خاضها رجالنا في منطقة الخليج كانت من أجل إسرائيل، وقد عمل الرجال على تحطيم العدو الرئيس لكم في المنطقة «؛ فهذا عدوان صارخ، وموالاة لمن يمتص دماء أتباع عيسى عليه السلام الذين حاولوا قتله، ثم ليست هي إسرائيل على الحقيقة.. إن إسرائيل حفدة يعقوب عليه السلام، والقومُ شُذَّاذ آفاقٍ لا يَمُتُّون إلى إسرائيل ولا إلى الساميَّة بصلة إلا في قلةٍ قليلة، ودينهم الكيد الصهيوني السياسي الماسوني والموسادي لا ما أنزل الله على موسى وعيسى عليهما السلام.. وإن التحرُّز من الاختراق الصهيوني لا يبيح بالتأكيد هذا المنطق لزعيم دول الرفاق.
قال أبوعبدالرحمن: وأهل الكتاب المنتسبون إلى عيسى عليه السلام هم القوة الحقيقية الفاعلة بإذن الله الكوني على وجه هذه المعمورة، وهم أقدر على استرداد دينهم من عدوِّهم الصهيوني الذي سرق دينهم، وباتوا على نية من قتل عيسى عليه السلام؛ فهم قاتلوه عليه السلام حُكْماً؛ لأنهم شرعوا في ذلك، وتيقنوا أنهم قتلوه؛ لأنهم قتلوا شبيهه.. ولُطْف الله بعيسى عليه السلام فوق ذلك؛ إذ رفعه الله إليه.. وهم أقدر على تصحيح دينهم؛ لأنهم أصحاب العقول الجبارة التي أنتجت وسائل القوة والراحة والسرعة والاستشفاء والصنع والكشف؛ فلهم من كل ذلك براهين على أن الله لا يُشبهه شيء، و أن له الكمال المطلق، وأنه لا تفسير لوجود الكون إلا به قدرةً وهيمنةً وعلماً وحكمة، وأن تصوُّر أنه لا أوَّل له ولا شيء قبله ضرورة فكرية ليست بأولى من ضرورة أن الزمان السرمدي غير المضبوط بحركة أجرام لا يُتصوَّرَ له في العقلِ أوَّلية، وأن سرمديَّته مضبوطة في علم الله؛ لأن سرمديَّتَهُ لم تَجْرِ على عدمٍ البتة، بل وجود الله على صفات الكمال لا أوَّلَ له، والأول سبحانه كل يوم هو في شأن.. ولهم من كل ذلك البراهين العلمية على أن أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام لا تَعْلَق بهم الشبهة؛ لأنهم المصطفون من خلق الله.. اصطفاهم خالقهم، ولهم البراهين العلمية (بخبرتهم التاريخية) على الخلفية لكل دسٍّ في الأديان، ولهم من كل ذلك البراهين العلمية؛ لحذقهم أوجه التوثيق التاريخي الصحيح: على أن القرآن الكريم هو المصحِّح لما اختُلف فيه من الحق؛ لأنه نَقْلُ كافة عن كافة في مشارق الأرض ومغاربها جيلاً عن جيل إلى أن تقوم الساعة؛ فهذا أمتن طرق التوثيق.. ولأن كل كيد طيلةَ 1441 عاماً (لُوحظ ما قبل الهجرة) عجز عن حذف حرف منه أو إضافة حرف، وعجز عن أن يجعله أكثر من قرآن بل هو قرآن واحد.. ولأنه ليس فيه ما لا يليق بحق الله سبحانه وحق رسله كما حصل من الدسِّ على الأديان الأخرى.. ولهم من عقولهم الجبارة وكسبهم المادي العظيم البراهين العلمية على أنه ليس من دين الله ولا من عمارة الكون نقضُ العهود والمواثيق، وجَعْلُ الكسب المادي مسوِّغاً لظلم الشعوب وهدم الأسرة.. ولا صلاح للخلق إلا بطهارة الأسرة، وإعطاء دين الله حريته فيما شرعه بينها (من النفقة والقوامة والصلة والبر، والتكافل الاجتماعي، والتعامل الإنساني الكريم).. وليس من دين الله تسويغ نشر ما عُلِم فساده بضرورة العلم: إما بدعوى الحرية تنظيراً، وإما بالإكراه ممارسة.. وليس من دين الله وصلاح الكون نشر الإلحاد والإباحية والخمور والمخدرات والتضليل الفلسفي وتغيير فطرة الله.. ولهم من كل ذلك البراهين العلمية على أن الأمة التي تُحارب حرية الفساد، ولا يوجد الفساد بأرضها علناً إلا بإكراه وزرع عملاء: هي الأمة الأجدر بالتعاون معها على إسعاد البشرية.. ولكن السياسات العربية والقيادات العربية عاجزة أو لا تزال غافلة عن أكثر من مؤتمر مسيحي إسلامي عنصره إبلاغ الدعوة، والمجادلة بالتي هي أحسن، واستشعار كل ما أسلفته (من قدرة القوم، وقابليتهم استرداد دينهم وتصحيحه)، والتحرر من التضليل الصهيوني، والمحاكمة التاريخية العقلية لما وراء إعلان نيتشه قبَّحه الله (موت الإله)، وما وراء الإصلاح الديني منذ لوثر؛ فإصلاح الضلال لا يكون بما هو أضل.. ولهم من عقولهم وتاريخهم البراهين على أن الأديان بشَّرت بمسيح، وحذَّرت من مسيح؛ فالمسيح المحذَّر منه هو الأعور الدجَّال في مظلَّة اليهود، وحكمه عويمات لا ألف عام، وهو حاكم غير مهيمن، وهو الذي يُضلِّل به اليهود ويُخادعون غيرهم.. والمسيح المبشَّر به هو عيسى بن مريم عليه السلام الذي يقتل الدجال، ويُخلِّصه الله من يأجوج ومأجوج - والخبر عنهما وعن الدجال في كل دين -، وأنه يحكم بشرع أخيه محمد -صلى الله عليه وسلم-.. ولهم من عقولهم وحصافتهم البراهين على أن ظهور المسيح الدجال لعنه الله، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام لا يُعجِّل بهما سلوك البشر، واستباحتهم لهذا التعجُّل كل سبل الظلم كاستباحة فلسطين وطناً ومواطنين؛ بل مشيئة الله بيده لا باستعجال البشر، وقبل ذلك ستعمر الأرض بالدين الصحيح، ولن تكون علامات الساعة الكبرى (التي لا يعلم وقت قيامها نبي مرسل، ولا مَلَك مقرَّب) إلا في حياة فطرية لا يحكمها تفجير الذرة وانطلاقة الصاروخ؛ فكل حضارة مهما عظمت - ما دامت موظفة للظلم والفساد - ستزول حسب سنة الله الكونية.
واليهود اليوم ليسوا عنصراً، بل منهم شعب ذائب هو العنصر لعله يوجد مَسْحَة في يهود العرب، واليهودية ديانة أجناس غالبها لا يمتُّ للسامية بصلة، ومنهم سامي لا يمت للأسباط بصلة؛ فكيف يكون اليهود شعباً مختاراً؟.. كما أن اليهود ليسوا أول من أعلن الوحدانية، فإنما بدأوا بالتوراة التي نزلت على موسى عليه السلام وقبله أنبياء ورسل وشعوب أعلنت وحدانية الله منذ شيث وإدريس ونوح إلى إبراهيم إلى يوسف إلى موسى عليهم السلام، وإنما جدَّد لهم موسى عليه السلام الوحدانية فتبعه قلة، وكفر به الأكثرون؛ فظلوا إلى اليوم أهل وثنية لا وحدانية، فالله عندهم سبحانه وجلَّ وعلا صارع يعقوب كما في العهد القديم، والله عندهم إنسان كبير والإنسان إله صغير؛ فأين الوحدانية، ودعك من أوَّليتهم فيها؟!.. ونسبوا إلى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ما يندى له الجبين.. وما عدا أهل الرسالات الثلاث: إما وثنيون، وإما لا دينيون.. وتنويرهم مسؤولية المسلمين والنصارى إذا صحَّحوا دينهم، أو تمسكوا على الأقل بالعناصر المشتركة في الأديان والعقل الإنساني: كقدسية الله، وعصمة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحرمة الظلم والبغي والفساد والإباحية ونقض العهود؛ وإذن فليس العالم كله على علاقة بالله سبحانه متميزة إيماناً وشرعاً.. ولقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم:(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً (4)فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً (8))(سورة الإسراء -4-8).
قال أبوعبدالرحمن: ههنا أمور:
أولها: أن القصص في الآيات الكريمة سابقة على بعث المسيح عليه السلام.
وثانيها: أن الخبر ليس عن مطلق إفسادهم؛ فذلك ديدنهم، وإنما هو عن إفسادهم مقيداً بعلوِّهم، وأن لهم دولة.
وثالثها: أن الصحيح تفسير السلف الصالح من قدماء المفسرين بصريح النص أن كل ما ذُكر قد وقع.
ورابعها: أن مذهب المعاصرين صحيح من وجه آخر استجدَّ بيانُه في دين محمد بعد موسى عليهما الصلاة والسلام؛ فقد انتهت دولتهم وعلوُّهم ببعث المسيح عليه السلام، ومزَّقهم الله في الآفاق وعاشوا في (الغيتو) وكانوا منبوذين، واستغلوا حق المواطنة للولاء الظاهري، وعملوا في الظلام: للولاء للصهيونية، والكيد للبشرية، والاستيلاء على المال والإعلام والقانون والمحاماة (5)، والمزاحمة في الجامعات، والاختراع، وإنشاء المجمَّعات السرية، وتشكيل القوى الخفية غير الرسمية كالموساد.. وعلوا واغتصبوا الدولة في فلسطين، ولم يكونوا ذوي بنين وأكثر نفيراً، ولكنهم قلة وشُذَّاذ آفاق فرضتهم أمريكا وأوربا مصداقاً لقول الله تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (112)) (سورة آل عمران -)112؛ إذن سيكونون بعد قيام دولتهم وتجمُّعهم ذوي بنين وذوي نفير.. ودولتهم الآن بابتلاء من الله، وحبل من الناس؛ بموت الضمير العالمي، وانتشارهم تحت المظلَّة الصهيونية في أقوى دولة عالمية (الولايات المتحدة وبريطانيا شريكتها في المآثم الخانقة منذ إبادة الهنود الحمر).
وخامسها: لا يشملهم بعد بعث عيسى عليه السلام:(عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ8)(سورة الإسراء -8)؛ لأن الله قضى عليهم بأن يكونوا مغضوباً عليهم يسعون في الأرض فساداً، ولا يؤمنون بدين صحيح، ويكفرون وهم يعلمون، وإنما تكون الرحمة لآحاد منهم إذا أسلموا لربهم.
وسادسها: ما أخبر الله به من القضاء في كتاب موسى عليه السلام بقوله تعالى:
(وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا) (8) سورة الإسراء
مبيَّن في ديننا أنهم عائدون لا محالة، ومستمرُّون في العودة الآثمة؛ فسنة الله فيهم أن يشفي صدور البشرية منهم.. قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى: «حدثنا أبوبكر ابن أبي شيبة: حدثنا محمد بن بشر: حدثنا عبيدالله: عن نافع: عن ابن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لتُقاتلنَّ اليهود، فلتقتلنهم حتى يقول الحجر: يا مسلم: هذا يهودي، فتعال فاقتله.. وحدثنا محمد بن المثنى، وعبيدالله بن سعيد قالا: حدثنا يحيى: عن عبيدالله بهذا الإسناد، وقال في حديثه: هذا يهودي ورائي.. وحدثنا أبوبكر بن أبي شيبة: حدثنا أبوأسامة: أخبرني عمر بن حمزة.. قال: سمعت سالماً يقول: أخبرنا عبدالله بن عمر (رضي الله عنهما): أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « تقتتلون أنتم ويهود حتى يقول الحجر: يا مسلم: هذا يهودي ورائي تعال فاقتله».. حدثنا حرملة بن يحيى: أخبرنا ابن وهب: أخبرني يونس: عن ابن شهاب: حدثني سالم بن عبدالله: أن عبدالله بن عمر (رضي الله عنهما) أخبره: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: تُقاتلكم اليهود، فتسلَّطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم: هذا يهودي ورائي فاقتله.. حدثنا قُتيبة بن سعيد: حدثنا يعقوب - يعني ابن عبدالرحمن -: عن سهيل: عن أبيه: عن أبي هريرة (رضي الله عنه): أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهود؛ فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر؛ فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم: يا عبدالله: هذا يهودي خلفي؛ فتعال فاقتله.. إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود»(6).
وسابعها: سيبلغ من علوهم غير ما نراه الآن؛ كأن يتمردوا على صانعتهم أمريكا
- كما يظهر من بروتوكولات حكماء صهيون -، ويتعاملوا معها معاملة النِّدِّ للندِّ عسكرياً ونووياً، وسيمضغون ألسنتهم للأوربيين احتقاراً وهيمنة؛ فعند هذا تتحرَّك صحوة الضمير العالمي من الوجود إلى الفعل، ولعله ههنا يكون التحالف مع المسلمين.. قال أبوداوود رحمه الله تعالى في سننه: «حدثنا النفيلي: حدثنا عيسى بن يونس: حدثنا الأوزاعي: عن حسان بن عطية قال: مال مكحول، وابن أبي زكريا إلى خالد بن معدان، ومِلتُ معهم؛ فحدثنا: عن جبير بن نفير قال: قال جبير: انطلق بنا إلى ذي مِخْبَر: (رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-)؛ فأتيناه، فسأله جبير عن الهُدْنة؛ فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ستصالحون الرومَ صلحاً آمناً فتغزون أنتم وهم عدوَّاً من ورائكم؛ فتُنصرون وتغنمون وتَسلَمون، ثم ترجعون حتى تنزلوا بمَرْج ذي تُلول؛ فيرفع رجلٌ من أهل النصرانية الصليب؛ فيقول: غَلَب الصليبُ.. فيغضب رجلٌ من المسلمين فيدُقُّه؛ فعند ذلك يَغدِر الروم وتجمَع للملحمة.. حدثنا مؤمَّل بن الفضل الحرَّاني: حدثنا الوليد: حدثنا أبوعمرو: عن حسان بن عطية بهذا الحديث.. زاد فيه: ويثور المسلمون إلى أسلحتهم، فيقتتلون؛ فيُكرم اللهُ تلك العصابة بالشهادة.. إلا أن الوليد جعل الحديث عن جبير، عن ذي مِخْبر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-»(7).
وثامنها: أن عُلُوَّ اليهود - وتسميتهم بني إسرائيل، ودولة إسرائيل خلاف الواقع التاريخي، بل ليسوا ساميين؛ فكيف يكونون إسرائيليين؟ - في المظلة الصهيونية ودولتهم الولايات المتحدة سيسلب العالم العربي والإسلامي أي خيار في السلام؛ لاستعمار أرضه، ونهب موارده، وفتنته في دينه؛ فلن يبقى بيده أي ورقة بمنطق المعادلة بين المصالح والمفاسد؛ فلا يبقى أمامه إلا القتال المستميت الشرس في أرضه، ويقبل موت تسعة وتسعين، ليعيش واحد، ولن يخاف الحرب النووية؛ لثقته بأن المسلمين لن يُستأصلوا، وسيجف نبع جبروت الحضارة المادية المفسدة؛ لأن شرقنا نبْعُها، وسيلتحم الصف تلقائياً، وتختفي التجزئة الإقليمية والمذهبية، وستعود الحياة إلى فطرتها حسب ما في النصوص الشرعية الصحيحة الصريحة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؛ ولأن سنة الله الكونية في الحضارات المتحدِّية لإرادة الله الشرعية برهان علمي.. هذا إذا لم يسبق ذلك تحالف عالمي فعَّال يملك القوة الدفاعية لكسر حاجز القوى الخفية التي تحكم الكون.. والقارئ اليوم لا يستطيع متابعة ما تقذف به المطابع من آثار ذوي الاختصاص عن الكيد الصهيوني للبشرية.. والحق والخير والجمال والعدل والإحسان والتعايش مع الطبيعة دون حيف على الفطرة جِبِلَّة في العقول والنفوس وإن طال زمن التضليل.
قال أبوعبدالرحمن: واليهود أهل كتاب رباني، وهم - على قلتهم - من أهل الرسالات الثلاث (الإسلام، والمسيحية، واليهودية) الذين ضمن الله أن لا يهلكهم كلهم، وأن لا يستأصلهم كما استأصل عاداً وثمودَ وقومَ شعيبٍ وقومَ لوطٍ وقومَ فرعون.. الخ، وإن كان الدمار والهلاك قد يحلُّ بطائفة من أهل الرسالات الثلاث عقوبة على ذنب عام.. والباقي من العهد القديم بيد اليهود مما هو منسوب إلى الرب سبحانه- ودعك من اللاهوت الطبيعي الذي وضعه الحاخامات - فيه إساءة إلى الرب سبحانه في أسمائه وصفاته وما يليق بجلاله وعظمته.. وأوقح ما في ذلك الزعم بأن الرب (جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه) صارع إسرائيل (يعقوب عليه السلام) (8).. قال الإمام أبومحمد رضي الله عنه: «ذكر في هذا المكان أن يعقوب صارع الله عز وجل تعالى الله عن ذلك، وعن كل شبهة لخلقه؛ فكيف عن لعب الصراع الذي لا يفعله إلا أهل البطالة ؟!.. وأما أهل العقول فلا يفعلونه لغير ضرورة، ثم لم يكتفوا بهذه الشوهة حتى قالوا: (إن الله عز وجل عجز عن أن يصرع يعقوب بنص كلام توراتهم) وحقق ذلك قولهم عن الله تعالى أنه قال له: (كنت قوياً على الله تعالى فكيف على الناس؟!).. ولقد أخبرني بعض أهل البصر بالعبرانية أنه لذلك سمَّاه إسرائيل، و(إيل) بلغتهم هو اسم الله تعالى بلا شك ولا خلاف؛ فمعناه (إسْرُ الله) تذكيراً بذلك الضبط الذي كان بعد المصارعة؛ إذ قال له: (دعني)، فقال له يعقوب: (لا أدعك حتى تبارك عليَّ).. ولقد ضربت بهذا الفصل وجوه المتعرضين منهم للجدال في كل محفل؛ فثبتوا على أن نصَّ التوراة أن يعقوب عليه السلام صارع (ألوهيم)، وقال: (إن لفظ (ألوهيم) يعبر بها عن الملك، فإنما صارع مَلَكاً من الملائكة)؛ فقلت لهم: (سياق الكلام يبطل ما تقولون ضرورة أن فيه: «كنت قوياً على الله فكيف على الناس؟!».. وفيه أن يعقوب قال: «رأيت الله مواجهة وسلَّمت نفسي»، ولا يمكن البتة أن يعجب من سلامة نفسه إذ رأى الملك، ولا يبلغ من مسِّ الملك كما نص يعقوب أن يُحرِّم على بني إسرائيل أكل عروق الفخذ إلى الأبد من أجل ذلك.. وفيه: أنه سمَّى الموضع بذلك (فنيئيل)؛ لأنه قابل فيه (إيل) وهو الله عز وجل بلا احتمال عندكم.. ثم لو كان مَلَكاً - كما تدَّعون عن المناظرة - لكان أيضاً من الخطأ تصارع نبي ومَلَك لغير معنى؛ فهذه صفة المتحدين في العنصر لا صفة الملائكة والأنبياء» (9).. وقال الإمام أبومحمد قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه: « ومن طوامِّهم قولهم عن رجل من أحبارهم الذين يريدون أن من شتم أحداً منهم يُقتل ومن شتم أحد الأنبياء لا يقتل؛ فذُكر عن لعين منهم يدعونه إسماعيل أنه قال لهم وكلامه عندهم والوحي سيَّان فقال: كنت أمشي ذات يوم في خراب بيت المقدس، فوجدت الله تعالى في تلك الخرب يبكي ويئن كما تئن الحمامة وهو يقول: ويلي هدمت بيتي، ويلي على ما فرقت من بنيِّ وبناتي، قامتي منكسة حتى أبني بيتي وأردَّ بناتي وبنيَّ.. قال هذا الكلب لعنه الله: ثم قبض الله على ثيابي وقال لي: (لا أتركك حتى تبارك عليَّ) فباركت عليه وتركني.
قال أبومحمد: أُشهد الله تعالى خالقي وباعثي بعد الموت والملائكة والأنبياء والمرسلين والناس أجمعين والجنَّ والشياطين: أني كافر بربِّ يكون بين الخرب، ويطلب البركة من كلب من كلاب اليهود؛ فلعن الله تعالى عقولاً جاز فيها مثل هذا «(10).
وكتبهم طافحة بالتشبيه والوثنية.. كما أنها مليئة بثلب الأنبياء عليهم السلام، ونسبة رذائل إلى مقامهم الكريم، وهي رذائل لا تليق بعصاة المؤمنين !!.. وفيها من الكذب في التواريخ، وإحصاء الأعداد، ووصف المعارك ما لا يليق بدين معصوم منزَّل من ذي الكمال المطلق، وفيها من روح العداء للبشرية واستباحة أشنع الظلم ما لا يليق بعدل الله وإحسانه وكرمه.. وأما سِفْر أيوب فرسالة قدرية ملحدة لا يجوز نسبة أي سطر منها إلى الرب سبحانه، وقد تبرأ منه المسيحيون جملة وتفصيلاً، واليهود قبل أن تكون الصهيونية السياسية الوضعية عقيدتهم ودينهم قابلون للهداية أفراداً، وقابلون للموادعة والسلم في الجملة؛ لأن اليهودية (على ما فيها من ضلال، وعلى ما في مصادرهم اللاهوتية الوضعية من شرٍّ وافتراء وعداء للبشرية قد ينطلي على غير الحاخامات) تنطوي على ضلال جهالة بالنسبة لعامتهم، وهذا غير الصهيونية ومجمَّعاتها السرية التي لا يعتنقها إلا مصمِّم على التضليل، وهي عمل ظلامي ملزم تحت وطأة الترغيب والترهيب لكل يهودي.. وكانت الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم بعد بريطانيا مباشرة منذ أفلت شمسها، وهي الدولة الوحيدة المتفردة الآن بالقوة، والقوة لله سبحانه.. وقد بنت الصهيونية العالمية كيانها الدنيوي تحت مظلة هذه الدولة العظمى بحكم هيمنتها المباشرة عليها؛ فهم فيها مواطنون قلة، ولكنهم ذوو كيفية خاصة من النفوذ ترغيباً وترهيباً وتمكُّناً في الجوانب الحيوية من قوام الحضارة المادية، ونفوذهم باسم المواطنة؛ فهم ذوو القيادة في صنع القرار وتغييب الرأي الأمريكي العام، وقد ابتزوا الدولة العظمى مالاً وتكنولوجيا وأسلحة ثقيلة وقوة نووية؛ فكانوا بحقٍّ نداً - أو فوق الند - للولايات المتحدة؛ لقوةٍ خطيرة خارج الولايات المتحدة، ولنفوذ لا يقاومه نفوذ داخل الولايات المتحدة.
(1) قال أبوعبدالرحمن: انظر: تكوين الدولة ص38-39، وانظر ص41-57 حيث قارن الحكم
في الرعية بالحكم في العائلة؛ لأن التنظيم العائلي صورة مصغرة للتنظيم الحكومي، وجعل من هذه المقارنة برهاناً على فساد مذهب الفوضويين المبشرين بمجتمع لا تكون فيه دولة.
(2) قال أبوعبدالرحمن: انظر تكوين الدولة ص37، وانظر عن مذهب روسو قضايا الفكر السياسي - القانون الطبيعي ص57-58.
(3) قال أبوعبدالرحمن: انظر كتابي الحق الطبيعي وقوانينه ص24-25.
(4) انظر المسيح اليهودي ص179 و 182.
(5) قال أبوعبدالرحمن: بما أن علامات الترقيم حسب الضرورة فإنني لا أضع الفاصلة (،) بين عوامل (الاستيلاء)، وإنما أضعها بعد نهاية عواملها؛ لأنها تدل ههنا على عطف جُمل على جُمل؛ فالاستيلاء وعواملها معطوف عليها جملة أخرى.
(6) صحيح مسلم - متن شرح النووي 18 -251-252.
(7) سنن أبي داود 5 -35-36.
*؛ لأنك إذْ رأست عند الله فعلى الناس أيضاً تستظهر..* وسأله يعقوب وقال: عرِّفني اسمك.. فقال: لم سؤالك عن اسمي.. وباركه هناك.. وسمى يعقوبُ الموضع فنُوئيل قائلاً: إني رأيت الله وجهاً إلى وجه، ونجت نفسي..* وأشرقت له الشمس عند عبوره فنُوئيل وهو يظلع من وركه* ولذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النسا الذي مع حُقِّ الورك إلى هذا اليوم؛ لأنه لمس حُقَّ ورك يعقوب على عرق النسا «.. وانظر أباطيل التوراة والعهد القديم للدكتور محمد علي البار 2 -144-145، وقال الإمام أبومحمد ابن حزم رحمه الله تعالى في الفصل 1 -232-233 وفي رده على ابن النغريلة اليهودي ضمن رسائل ابن حزم 3 -54: « ولو أن هذا الجاهل الأنوك تدبَّر ما في باطلهم المبتدع، وهُجْرهم الموضوع الذي يسمونه توراة؛ إذ يقول: إن موسى عليه السلام راجع ربه إذْ أراد إرساله، وقال: من أنا حتى أمضي إلى فرعون.. أرسل من تريد أن ترسله.. وأغضب ربه تعالى بذلك.. وأن يعقوب عليه السلام صارع ربه ليلة بتمامها وهو لا يعرف من هو؛ فلما انسلخ الصباح عرف أنه الله - تعالى الله عن الحمق من الكفر علواً كبيراً -.. قالوا: فلما عرفه أمسكه، فقال له ربه: أطلقني.. فقال له يعقوب: لا أطلقك حتى تبارك عليَّ.. فقال له ربه: كيف لا أبارك عليك وأنت كنت قوياً على الله فكيف على الناس!.. ثم مسَّ مأبضه؛ فعرج يعقوب من وقته؛ فكذلك لا يأكل بنو إسرائيل من عروق الفخذ؛ لأن الله تعالى مسَّه.. ولا يجرؤ أحد منهم فيقول: إن المصارعَ ليعقوب كان ملكاً؛ فإن لفظ المصارع له في توراتهم الوهيم، هذا هو اسم الله تعالى وحدَه بالعبرانية؛ فلو أن هذا الجاهل تفكر في مثل هذا وشبهه لعلم أن الحق بأيدي غيرهم، وأنهم في باطل وغرور، وعلى ضلال وزور».
(9) الفصل 1 -168 - دار الكتب العلمية.
(10) الرد على ابن نغرالة اليهود ضمن رسائل ابن حزم 3 -64-65، وانظر الفصل 1 -247-248 وقال رحمه الله تعالى ص246: « فعليهم ما يخرج من أسافلهم «.
قال أبوعبدالرحمن: هذا قليل، بل عليهم لعائن الله وغضبه ومقته أبد الدهر، والعذاب الأليم والخلود في النار؛ فكيف يكون هؤلاء الأنجاس أول الشعوب التي أعلنت التوحيد؟ !!.