الجزيرة: عبدالعزيز العنقري :
طالبت أصوات في مجلس الشورى الأسبوع الماضي بصرف إعانة للعاطلين عن العمل بواقع 1000 ريال شهرياً لكل عاطل، إلا أن هناك أصوات أخرى عارضت الفكرة نظراً، لأنها لا تنطبق على واقع المملكة من حيث نوعية البطالة ووضع الاقتصاد السعودي القوي الذي يوفر قرابة 8 ملايين فرصة عمل لوافدين من مختلف الجنسيات والمهن في الوقت الذي لا يبلغ عدد العاطلين لدينا أكثر من 400 ألف مواطن ومواطنة.
(الجزيرة) التقت الدكتور زين العابدين بري عضو مجلس الشورى الذي يُعدُّ من أبرز المعارضين لهذه الفكرة وحاورته للوقوف على أسباب اعتراضه.
مع مطالبة أصوات من مجلس الشورى بضرورة صرف إعانة للعاطلين عن العمل، كانت هناك أصوات ترفض هذه الفكرة وكنت من أبرزهم، فما هي أسباب اعتراضكم؟
- لقد عارضت هذا الاقتراح، لأنه برأيي لا يرتقي لطموحات المواطن السعودي الذي يعيش ولله الحمد في أغنى بلدان العالم، فالاقتراح نص على صرف بدل إعانة شهرية تصل إلى 1000 ريال في الشهر وفق ضوابط معينة ولمدة محددة.. فما عسى الألف ريال شهرياً أن تقدم لمواطن لديه الكثير من المتطلبات وخصوصاً أننا هنا نستهدف فئة الشباب، فهل 1000 ريال تفي بمتطلبات الزواج أو إيجار البيت (أو أقساط منزل جديد) أو أقساط السيارة أو الطعام والشراب أو متطلبات الحياة الأخرى. أنا اعتقد أن هذه الإعانة لا تكفي حتى لمصاريف بنزين السيارة وفاتورة التلفون. ولذلك رأيت أن هذا المقترح هو من قبيل الحلول التي لا تعطي المواطن السعودي ما يريده بحق.
إذا كان مقترح صرف إعانة للعاطلين عن العمل غير مجدٍ فما هو البديل برأيك؟
- البديل يكمن في توفير العمل المناسب. فهل تستطيع إقناعي أن بلداً يستطيع أن يحل مشكلات البطالة في العالم بأسره يعجز عن حل مشكلة البطالة لأبنائه، إن ما يقرب من ثلث سكان المملكة العربية السعودية الآن هم من الوافدين، حيث لدينا عمالة من جنوب شرق آسيا وإفريقيا وحتى من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا والصين واليابان وكوريا. فسبعة ملايين وافد يعيشون في المملكة ويعملون في كافة المهن والتخصصات بلا استثناء وفي المقابل نجد لدينا بطالة في كافة المهن والتخصصات! إنني اعتقد أن نقطة الانطلاق لحل مشكلة البطالة هي عبر الوقف التام للاستقدام في بعض المهن والتخصصات. فهذه المهن والتخصصات هي من حق المواطن السعودي أولاً وأخيراً. فأنا لا اعتقد أنه يوجد بلد في العالم يوافق على توفير فرص العمل لجميع الجنسيات ويحرم أبناءه من العمل. إن المشكلة الحقيقية تكمن في أننا رضخنا لضغوط ذوي المصالح واقتنعنا بالأمر الواقع. وما نعيشه اليوم يكلف المملكة العربية السعودية الكثير والكثير جداً من الناحية الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، فما الذي يمنع لو صنفنا العمالة الأجنبية إلى فئتين:
الفئة الأولى تضم خدم المنازل والسائقين وعمال النظافة وعمال البناء. مفترضين جدلاً أن عدد هؤلاء يزيد على أربعة ملايين عامل. ليتبقى أنواع العمالة الأخرى وهي الفئة الثانية، التي تغطي كافة التخصصات الأخرى، فلو أوقفنا الاستقدام لهذه الفئة، ألا نستطيع توظيف ما يقرب من 500 ألف مواطن مؤهلين وباحثين عن العمل، ألا نستطيع أن نوفر لهم سبل العيش الكريم من خلال عمل يوفر لهم عائداً مجزياً.
فيما لو أقرت توصية صرف الإعانة المقترحة، فهل سيفتح ذلك الباب على استغلال الإعانة لمن لا يستحقها وكم ستكون عندئذ قيمة التكاليف المترتبة على ميزانية الدولة نتيجة لدفع هذه الإعانة؟
- هذا الاحتمال وارد والله أعلم. ولدينا من الأمثلة في كارثة جدة الأخيرة ما يدعو إلى توقع ذلك. فالإحصائيات الرسمية تقول: إن عدد العاطلين عن العمل من ذكور وإناث يقترب من نصف مليون مواطن، وهذه الإحصائية من وجهة نظري لم تأخذ في الاعتبار سيدات المنازل غير الباحثات عن العمل في الوقت الحاضر، مع أن لديهم التأهيل الجامعي والثانوي والمتوسط، وبالتالي قد يكونوا كذلك إذا ما تقرر صرف الإعانة.
وهذا قد يرفع عدد المطالبين بالاستفادة من الإعانة إلى عدة ملايين. أما بالنسبة لقيمة التكاليف على ميزانية الدولة نتيجة لدفع هذه الإعانة، فقد تصل إلى ستة مليارات ريال سنوياً. هذا على اعتبار أن عدد العاطلين عن العمل هو فقط (500) ألف مواطن ومواطنة وهذه تُعدُّ من التكاليف الاقتصادية المباشرة.
أما إذا افترضنا أن هذا العدد سيتزايد نتيجة لتزايد عدد الخريجين وزيادة فئة الشباب فإن علينا أن نتوقع تزايد هذه المبالغ.
وإذا ما كانت هناك مطالبات من قبل سيدات المنازل فإن هذا العدد سيزيد، وأنا لا أستطيع أن أعطي رقماً محدداً ولكن يمكنني القول: إن زيادة العدد إلى مليوني عاطل عن العمل سيزيد ما يتوجب على خزينة الدولة دفعه إلى (24) مليار ريال سنوياً، وفي حال زيادة عدد المطالبين بالإعانة إلى أربعة ملايين مواطن فذلك سيزيد التعويضات إلى (48) مليار.
وبكل تأكيد فإن هذا من حق المواطن السعودي إذا لزم الأمر، ولكن السؤال الحقيقي: هل المواطن السعودي في حاجة إلى 1000 ريال في الشهر وهو مبلغ لا يقدم ولا يؤخر ولا يسمن ولا يغني من جوع؟ ألا تعتقد أن هذا الاقتصاد الفتي القوي الذي يعيش فترة فورة يستطيع أن يوفر له عملاً يتراوح دخله ما بين 3000 ريال كحد أدنى للأجر وربما تصل إلى عشرين ألف ريال أو يزيد؟.
فهل المواطن بحاجة إلى تعويض قدره 1000 ريال قد تصرف له اليوم ولا تصرف له في الغد أم هو بحاجة إلى عمل يليق به. ألم تسمع بالمثل الياباني الذي يقول (علمني كيف اصطاد ولا تصطاد لي).
إن المملكة العربية السعودية استثمرت في أبنائها حتى أصبح منهم من يشار له بالبنان ألا يجدر بنا أن نوفر لهم عملاً لائقاً وكريماً.
ذكرت أن وجود هذا الكم الهائل من الوافدين يكلف الكثير من التكاليف الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، ألا ترى لهم أي إضافة إيجابية على الاقتصاد السعودي؟
- لا شك أن لهم بعض الإيجابيات ولكن بالمقابل لهم آثار اقتصادية سلبية، واسمح لي، حتى أوضح ذلك، أن أبداً بالتكاليف الاقتصادية ودعني أيضاً أصنف هذه التكاليف إلى تكاليف مباشرة وغير مباشرة. ولو عدنا إلى التكاليف غير المباشرة على اقتصاد المملكة نتيجة العمالة الوافدة. نجد أنها تقدر بمئات المليارات من الريالات. فإجمالي تحويلات العمالة، وحسب الإحصاءات الرسمية، وصلت إلى (70) مليار ريال سنوياً.
وإذا ما افترضنا أن نصف هذه الأموال هي للفئات التي لا يمكن تعويضها بالسعوديين مثل السائقين وخدم المنازل فإن المستهدف لدينا الآن هو نصف ذلك المبلغ وهو 35 مليار ريال.
هل تعلم أن الأثر الكلي السالب على الناتج الوطني الإجمالي لتحويل 35 مليار ريال يصل إلى 88 ملياراً وربما يصل إلى ما يزيد على مائة مليار.
هذه عملية حسابية بسيطة يدخل فيها ما نطلق عليه بحساب مضاعف الإنفاق وهو مفهوم يعرفه أي طالب درس مبادئ الاقتصاد ولا يستدعي المقام هنا للدخول في تفاصيله ولكن يكفي أن ندلل على ذلك بالقول: إن أي إنفاق إضافي في الاقتصاد السعودي نتيجة لمبالغ إضافية تأتينا من الخارج يسبب انتعاش قد يفوق ذلك المقدار من الإنفاق بثلاثة أضعاف.
والعكس لو خرجت هذه المبالغ خارج الاقتصاد السعودي. بالإضافة إلى ذلك فإن هناك الكثير من التكاليف التي يمكن أن تكون جزءاً من العملية. فهناك تكاليف الضغط على الخدمات من كهرباء وماء وهذه تتمتع بالإعانة الحكومية خصوصاً لفئات الشرائح المنخفضة وهذه يتمتع بها السعودي والمقيم على حد سواء.
أيضاً تكاليف المرور والتزاحم واستخدام الطرق ناهيك عن التكاليف الأمنية.
من هنا نستطيع تقدير هذه السلبيات بمئات المليارات.
ومن الناحية الأخرى ألا يكلفنا انخراط المواطن السعودي غير القادر على الحصول على عمل الكثير. وبالتالي فإيجاد عمل شريف ولائق له سيوفر لنا الكثير ويضيف الكثير من الإيجابيات للمملكة.
بماذا تصنف أو تسمي البطالة لدينا على اعتبار أن لدينا قرابة 8 ملايين وافد، بينما العاطلون عن العمل لا يصلون إلى 5% من ذلك الرقم؟
لقد بحثت في التعريفات العديدة والمعروفة للبطالة فلم استطع أن أصنف البطالة السعودية من ضمنها. وهناك تعريفات عدة للبطالة ومنها الإجبارية وهي التي تسود عادة في فترات الكساد وتبدأ عندها الشركات في تسريح العمالة التي لديها وهنا نجد أن هناك المؤهلين الباحثين عن عمل ولكن بفعل الكساد وقلة الطلب فإن فرص العمل تصبح أقل، وهناك أيضاً البطالة الاختيارية وهي التي يأخذ فيها الأفراد قسطاً من الراحةن أما لاستئناف المسيرة في عمل آخر أو لأي سبب آخر، وهناك البطالة المقنعة وغيرها من أنواع البطالة، والبطالة السعودية هي التي يمكن أن تدفع فيها الدولة تعويضاً عن العمل لأبنائها رغم رغبتهم في العمل، بينما توفر القطاعات الفاعلة (وخصوصاً قطاع الأعمال) فرص العمل لملايين الوافدين. هذا النوع من البطالة لم يحدث ولم تصنف بين التعريفات المحددة لأنواع البطالة وهي برأيي استثناء لن نسمع له تصنيف بالمستقبل.
إذا كانت مخرجات التعليم تطوّرت وتنوّعت وزادت، فلماذا يبقى لدينا بطالة، وهل هناك دور لجهات معنية مازالت غير فعالة بشكل يتناسب مع مشكلة البطالة؟
- سؤال محيّر ولكني أتمنى أن هذه البطالة الموجودة الآن لن تدوم طويلا. أما من حيث الدور فأنا، وبالرغم من تقديري العميق لمقام وزارة العمل على الدور الذي قامت وحاولت القيام به، إلا أنني أجد أنه قد أن الأوان لمجلس الشورى أن يتقدم إلى المقام السامي الكريم بالتوصية بوقف الاستقدام في الأعمال التي يمكن أن يعمل بها السعوديون وأنا على يقين بأن هذا سيشكل دعماً قوياً لمقام وزارة العمل وللخطط التي طالما سعت لتحقيقها