عندما يكون الإنسان متعلماً ومتبحراً في علوم الرجال ثم تضحك منه زوجته وأم أولاده، وبعد زواج وعشرة لمدة طويلة تقترب من نصف قرن لأسباب بسيطة يصيبه القهر والإحباط ويشعر بالذلة والمهانة ونقص في الرجولة.
والقصة أنني ومنذ زواجنا لم أسألها أو أسأل أهلها عن أصلهم أو فصلهم أو قبيلتهم، ولكن قبل مدة ذهبت إلى ديرتنا حائل، فوجدت في إحدى المكتبات كتاباً جميل الغلاف حسن الطباعة يحتوي على شجرة عائلة زوجتي وعلى أصلها وفصلها ونسبها و قبيلتها، ففرحت فرحاً عظيماً بذلك لأني وجدت أجمل هدية ثمينة أقدمها لأم أولادي وحتى تفتخر بها عند معارفها وجاراتها وصديقاتها وعندما عدت إلى الرياض وصرت أقرأ عليها من هذا الكتاب في الصباح الباكر بعد ذهاب الأولاد إلى مدارسهم وكنت أطمع منها ببسمة وفرحة ولكن الذي حدث عكس ذلك لأنها صارت تضحك بضحكات عالية خفت أن يسمعها الجيران، ثم سكتت عن الضحك وهي تنظر مرة إلى وجهي ومرة إلى الكتاب، ثم أخذت الكتاب من يدي بقوة وناولته الشغالة وهي تقول لها ارميه في الزبالة وأنا في دهشة من أمري ثم التفت إلي وهي تقول: يا متعلم يا مثقف يا رجال، أمي ووالدي ماتوا منذ سنين وإخواني وأخواتي بحائل داقهم الفقر بعضهم بوظيفة والبعض لا شغل ولا مشغلة ولم ينفعهم لا حسب ولا نسب ولا قبيلة، همّ الشباب من إخواني وأولاد عمي تمييل العقل، المشكلة يا زوجي يا متعلم أن الغرب والشرق يصنعون الطائرات والصواريخ والسيارات والسفن، وأنت وأمثالك من يدعي العلم والمعرفة يبحث عن الأصل والفصل، أما أنا فأصلي وفصلي وقبيلتي هو أنت وأولادي وبيتي، ولكن مع الأسف عليك أنت يا شيخ القبيلة تارك أولادك وكل واحد منهم بيده جواله، إن نام ما قام، وإن خرج ما رجع، لا يعرفون تركيب لمبة بالبيت، ولا تغيير صنبور - حنفية - خربان، والبركة في رجال الهند والبنغال، قم لو سمحت أحضر بنغاليا أو هنديا يصلح الثلاجة دجاج دو انتفخ فيها من الحرارة، ولا تنس أن تقول له أن يركب لمبات في غرفة النوم.
وبعد ما قالت لي هذا القول تصبب العرق من وجهي، فوضعت الشماغ على رأسي واللطمة على فمي، وصرت أبحث في شوارع المصيف عن سباك هندي وكهربائي بنغالي وأنا في غضب و حنق على أم الأولاد.