النجاح غاية نبيلة، ومطلب سام، الكل يسعى له ويتطلع إليه وينشده، تهواه النفوس وتطرب له وتشتاق إليه، ولبلوغه لابد من بذل المزيد والمزيد من الجهود الصائبة الصادقة، الواعية المدركة العارفة بما يجب فعله وأخذه بالحسبان، ولكي ينجح الإنسان في الجهود التي يبذلها، والغاية التي ينشدها، والفوز بقصب السبق في المجال الذي يسعى للنجاح فيه عليه أن يراعي جملة من المبادئ والمعايير والضوابط والقيم، فلكل نجاح سمات وخصائص، وله متطلبات وأدوات ومقومات، وله مستويات ودرجات وحدود، كلها في غاية الأهمية، وأي تقصير في واحدة منها أوغفلة عنها يفضي إلى فشل ذريع، وفي أفضل الأحوال إلى نجاح مؤقت، لهذا يفترض في طالب النجاح أن يكون ملما بأسباب النجاح ومتطلباته كافة.
لكن يبدو أن هذه المحددات عند البعض ليست بذات أهمية، بل لا يجد حرجا في عدم الالتفات إليها أو إيلائها أية اهتمام أو عناية، المهم عنده أن يقال: فلان حقق كذا، أو أن فلانا أول من عمل كذا، الأهمية عنده تتجلى في الإعلان عن تحقيق النجاحات ولو بحدودها الدنيا، أو بصورها الشكلية الفارغة، أو المؤقتة التي سرعان ما تتلاشى مع تلاشي الاحتفاء بالحدث، أوالمرحلية التي تفقد فاعليتها بتخلي الراعي أو غيابه، حتى الفقعات البراقة أضحى البعض يكتفي بها مطلبا للنجاح، لذا لا ضير عند هؤلاء من تغييب الغايات الكبرى، والتنازل عن المبادئ، والتساهل في تطبيق المعايير والقيم التي يجب توافرها في الغاية المنشودة، أو مستوى النجاح المراد تحقيقه، أو ثبات الإنجاز الذي أعلن عنه باعتباره سبقا ونجاحا، واستمراره فاعلا فعالا يؤتي أكله التي كانت باعثا ومحفزا للجهد الذي بذل في حيازة السبق وإعلان النجاح.
والمراقب للمحتفين الفرحين بما حققوا من إنجازات ونجاحات وما أكثرها في بعض القطاعات، يلحظ أنها لا تعدو عن كونها فقعات إعلامية براقة، أو كمن أوقد شعلة نار في كومة قش سرعان ما تتلاشى وينطفئ لظاها، ويخبو بريقها، وتبرد حرارتها ووهجها، ولم يعد لها وجود في الواقع أو في أذهان المحتفين بها المطنطنين بحمدها وتمجيدها، طواها النسيان، وسكنت في غياهب الذاكرة، وتنحت إلى عالم اللاشعور، لأن من ذكاها وزكاها وعدها نجاحات وإنجازات لم يلتفت إلى القيمة المضافة التي يفترض أن تلك النجاحات حققتها على أرض الواقع، فأحدثت نقلة إيجابية، ورقماً مهماً في سلم التقدم والرقي والتغيير من حال إلى حال أفضل، ولم يعن المحتفون بمدى قوة أسس بنيان هذه الإنجازات، ومدى ملامستها للواقع وتلبية حاجات الناس المستفيدين منها أو المتعاملين معها.
الناجحون فعلاً يتريثون في الإعلان عن نجاحاتهم، ويدعون النتائج تتحدث عن نفسها وتعلن بلسان حالها مقدار النجاح الذي حققته، لكن المتعجلون المولعون ببريق النجاحات لا يستطيعون الانتظار حتى تتبين نتائج النجاح، لهذا تجدهم يلجؤون إلى وسائل الإعلام المتاحة كلها، المسموع منها والمرئي والمقروء لكي تزف للعامة في احتفائيات متكلفة مكلفة ما يعدونه نجاحات من أجل إكسابها بريقاً عله يساعد في تكوين مزيد من الإعجاب والثناء، بينما هي في واقعها لا تعدوعن كونها جملة من الفعاليات والأعمال والقرارات التي يمكن تصنيفها على أنها من مقتضيات أداء العمل اليومي، لكنها لا ترقى إلى مستوى ما يمكن اعتباره نجاحاً وتفوقاً وتغييراً في المسار يفضي إلى معطيات أفضل.
تبجح أحد الذين يطرب لبهرجة النجاحات يصف الأعمال التي أشرف على إنجازها، عددها قائلاً: أنتجنا في عام واحد عشرة ملايين من مادة.. وأنجزنا عشرين مليوناً من.. ووزعنا عشريناً أخرى من.. وصار يهذي بمبالغات وأرقام فلكية يتعذر تصديقها، ومن صلف بجاحته قال عندما سئل عن صحة هذه الأرقام: من لم يصدق فلا بأس أن يتحقق ويتأكد بالوقوف على هذه الملايين ويعدها بنفسه.
هذا نمط من النجاحات الجوفاء، والمؤسف أن هنالك من يطرب لها ويصدقها.